للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي أن يكون ذو رؤية وذو سمع. يقول: محاسن الممدوح وآثاره لم تخف على من له بصر لكثرتها واشتهارها، ويكفي في معرفة أنها سبب استحقاقه الإمامة دون غيره أن يقع عليها بصر ويعيها سمع لظهور دلالتها على ذلك لكل أحد، فحساده وأعداؤه يتمنون أن لا يكون في الدنيا من له عين يبصر بها وأذن يسمع بها كي يخفى استحقاقه للإمامة فيجدوا بذلك سبيلًا إلى منازعته إياها. فجعل كما ترى مطلق الرؤية


= ويعيها سمع حتى يعلم أنه المستحق للخلافة، والفرد الوحيد الذي ليس لأحد أن ينازعه مرتبتها، فأنت ترى حساده وليس شيء أشجى لهم وأغيظ من علمهم بأن ههنا مبصرًا يرى وسامعًا يعي، حتى ليتمنون أن لا يكون في الدنيا من له عين ببصر بها وأذن يعي معها كي يخفى استحقاقه لشرف الإمامة فيجدوا بذلك سبيلًا إلى منازعته إياها -١٢٠ دلائل- فالخطيب يخالف عبد القاهر هنا في أمرين:
١- أنه يرى أن الفعل هنا منزل منزلة اللازم وعبد القاهر يراه مما له مفعول مقصود محذوف.
٢- أنه يجعل الفعل مطلقًا كناية عن نفسه متعلقًا بمفعول مخصوص وعبد القاهر لا يراه كناية. والحق رأي عبد القاهر. والدليل على هذه الكناية جعلهما خبرًا عن الشجو والغيظ. قال الدسوقي وقوله "للدلالة" علة لجعلهما كنايتين، أي جعلهما كنايتين، ولم يصرح بالمفعول المخصوص من أول الأمر أو يلاحظ تقديره للدلالة إلخ، وهذا جواب عما يقال لا حاجة إلى اعتبار الإطلاق أولًا ثم جعله كناية عن نفسه مقيدًا بمفعول مخصوص، وهل هذا إلا تلاعب ولم لم يجعل من أول الأمر متعلقًا بمفعول مخصوص، وحاصل الجواب أنه لو جعل كذلك لفاتت المبالغة في المدح؛ لأنها لا تحصل إلا بحمل الرؤية على الإطلاق ثم يجعل كناية عن تعلقه بمفعول مخصوص إذ المعنى حينئذ أنه متى وجد فرد من أفراد الرؤية أو السماع حصلت رؤية محاسنه وسماع أخباره وهذا يدل على أن أخباره بلغت من الكثرة والاشتهار إلى حالة هي امتناع الخفاء.
هذا وعبد القاهر لا يجعل في الفعل في مثل "يرى مبصر" كناية؛ لأن الشاعر على رأيه يكون قصده من أول الأمر: أن يرى مبصر محاسنه ولكنه يحذفها ادعاء لشهرتها وأن رؤية البصر لا تقع إلا عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>