الأزهر -عدد ربيع الأول ١٣٧٢هـ- بعنوان "علوم البلاغة في الميزان" للأستاذ المرحوم محمد عرفة، وقد اتجه الكاتب إلى إثارة الملكات، وتنشيط الأفكار، وتحريض الأذهان على النظر والبحث والنقد والاستنتاج والكشف، وحفز الهمم للبحث والابتكار. وهي محاولة مجدية قوية في سبيل التجديد البلاغي المنشود. وأول فكرة في هذا البحث هذه الأسرار البلاغية الدقيقة للحذف ومحاولة الكشف عنها، فلقد عرض عبد القاهر الجرجاني للحذف ومكانه من البلاغة دون أن يبين سبب هذا الحسن والإحسان وسر هذا الجمال البياني الأخاذ. وجاء السكاكي والخطيب وتلاميذهم فجعلوا الحذف في موضعه كالذكر في موضعه، لكل مكانه من البلاغة، ومنزلته من سحر البيان، وأبوا أن يكون للحذف مزية على الذكر بل هما يحصلان البلاغة ويوجدانها، ثم عللوا الحذف بعلل متكلفة لا صلة بينها وبين أحكام الذوق الأدبي السليم. ويحاول الباحث أن يعلل سر جمال الحذف وبلاغته بأسباب نفسية وأمور بيانية، منها الهجوم بالسامع على المطلوب دفعة، والجدة التي نراها في أسلوب الحذف، ومنها أن المحذوف تدل عليه القرائن فإذا ذكر كان ثقيلًا في موضعه؛ لأنه تعريف لما عرف وبيان لما بين، فيربط بذلك بين البلاغة وأحكام الذوق وأسرار البيان وملكات النفس الإنسانية.
ومن البحوث التي أثارها الأستاذ: أسلوب التجريد وتحليل ألوان جماله وسر هذا الجمال، بعيدًا عن تكلف القدماء البغيض وتأويلهم المصنوع. وكذلك عرض لأسلوب. رأيت اليوم حاتمًا، ولقيت مادرًا، وسمعت سحبان وما أشبه ذلك مما أوله البلاغيون فجعلوا حاتمًا هنا كأنه موضع للجواد، فانتزعوه من معناه وهو العلمية على الرجل المعروف من طيء، وبهذا التأويل يكون حاتم متناولًا للفرد المتعارف المعهود والفرد غير المتعارف وهو من يتصف بالجود، فيصير استعماله في غير المتعارف استعمالًا في غير ما وضع له فيكون عندهم استعارة. وهو يبحث ذلك كله ويناقشه وينقده ويحاول الوصول إلى الصواب.