للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه صلى الله عليه وسلم كان لشدة حرصه على هداية الناس يكرر دعوة الممتنعين على الإيمان ولا يرجع عنها، فكان في معرض من ظن أنه يملك مع صفة الإنذار إيجاد الشيء فيما يمتنع قبوله إياه١ أو قلبًا كقوله تعالى حكاية عن بعض الكفار: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} أي أنتم بشر لا رسل، نزلوا المخاطبين منزلة من ينكر أنه بشر، لاعتقاد القائلين أن الرسول لا يكون بشرًا مع إصرار المخاطبين على دعوى الرسالة٢، وأما قوله تعالى حكاية عن الرسل: {إنْ نَحْنُ إلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم: ١١] ، فمن مجاراة الخصم للتبكيت والإلزام والإفحام، فإن من عادة من ادعى عليه خصمه الخلاف في أمر هو لا يخالف فيه أن يعيد كلامه على وجهه، كما إذا قال لك من يناظرك "أنت من شأنك كيت وكيت"، فتقول: نعم أنا من شأني كيت وكيت ولكن لا يلزمني من أجل ذلك ما ظننت أنه يلزم، فالرسل عليهم السلام.


١ فالآية قصر موصوف على صفة قصر أفراد مبني على التنزيل، تنزيل المعلوم منزلة المجهول لغرض بلاغي اقتضاه المقام.
وراجع الآية في ١٢٨ مفتاح، ٢٥٧ دلائل.
٢ فالمخاطبون وهم الرسل لم يكونوا جاهلين بكونهم بشرًا ولا منكرين لذلك لكنهم نزلوا منزلة المنكرين لاعتقاد القائلين -وهم الكفار- أن الرسول لا يكون بشرًا مع إصرار المخاطبين على دعوى الرسالة، فنزلهم القائلون منزلة المنكرين للبشرية لما اعتقدوا اعتقادًا فاسدًا من التنافي بين الرسالة والبشرية فقالوا: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} ، أي مقصورون على البشرية ليس لكم وصف الرسالة التي تدعونها، فالآية من قصر الموصوف على الصفة قصرًا إضافيًّا -قصر قلب، قيل ويمكن أن تكون الآية قصر أفراد جريًا على الظاهر من غير تنزيل، أي ما اجتمعت لكم البشرية والرسالة، أو قصر قلب بلا تنزيل أيضًا أي أنتم بشر مثلنا لا بشر أعلى منا بالرسالة. هذا وراجع الكلام على الآية في ص١٢٨ من المفتاح ٢٥٦ من الدلائل.

<<  <  ج: ص:  >  >>