للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"كمال الانقطاع":

وأما كما ل الانقطاع فيكون لأمر يرجع إلى الإسناد أو إلى طرفيه.

الأول: أن تختلف الجملتان خبرًا وإنشاءً:

لفظًا ومعنى١ كقولهم لا تدن من الأسد يأكلك، وهل تصلح لي كذا أدفع إليك الأجرة، وبالرفع فيهما، وقول الشاعر:

وقال رائدهم أرسوا نزاولها ... فكل حتف امرئ يجري بمقدار٢


١ بأن تكون إحداهما خبرًا لفظًا ومعنى والأخرى إنشاء لفظًا ومعنى.
٢ الرائد: هو الذي يتقدم القوم لطلب الكلأ والماء أرسوا: فعل أمر أي أقيموا من أرسيت السفينة أي حبستها بالمرساة "بفتح الميم: الميناء. وبكسر الميم: جديدة تلقى في الماء متصلة بالسفينة فتقف".
نزاولها: أي نحاول تلك الحرب ونعالجها. والبيت للأخطل على ما في سيبويه ص٤٥٠ جـ١. وهو في المفتاح ص١١٧.
فنزاولها بالرفع لا بالجزم جوابًا للأمر؛ لأن الغرض تعليل الأمر بالإرساء بالمزاولة لا جعل الإرساء علة للمزاولة الذي يفيده الجزم؛ لأن الشرط علة في الجزاء ولا يستقيم كونه بالرفع حالًا لئلا يفوت التعليل الذي هو المقصود. ومعنى البيت: أقيموا نقاتل، فإن موت كل نفس يجري بقدر من الله، لا الجبن ينجيه والإقدام يدريه.
والشاهد: ترك العطف بين "أرسوا" "ونزاولها"؛ لأن الأولى إنشاء لفظًا ومعنى والثانية خبر لفظًا ومعنى. وهذا وراجع عطف الإنشائية على الخبرية وتفصيل الكلام على الآية وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، في السيد على المطول "ص١٢".
هذا والاستشهاد بالبيت خطأ؛ لأن للجملة الأولى محلًّا من الإعراب؛ لأنها مفعول قال. اللهم إلا أن يقال أن المثال لكمال الانقطاع بين الجملتين باختلافهما خبرًا وإنشاء لفظًا ومعنى مع قطع النظر عن كون الجملتين مما ليس لهما محل من الإعراب أو لًا فكمال الانقطاع له نوعان: ما ليس له محل عن الإعراب وحكمه الفصل، وما له محل إعرابي وهذا لا يوجبه، والحاصل أن منع العطف بين الإنشاء والخبر له ثلاثة شروط: أن يكون بالواو، وفيما لا محل له من الإعراب، وأن لا يوهم خلاف المراد.
هذا والفصل حينئذ إنما هو عند البيانيين. أما اللغويون فجوزوا الوصل بين الجملتين المختلفتين خبرًا وإنشاء وعليه: حسبنا الله ونعم الوكيل، وهذا زيد ومن عمرو.

<<  <  ج: ص:  >  >>