للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه١ مما يرمي به جزافًا٢ من غير تحقق، فأتبعه٣ لا ريب فيه، نفيًا لذلك، اتباع الخليفة نفسه، إزالة لما عسى أن يتوهم السامع أنك في قولك جاءني الخليفة، متجوز أو ساه، وكذا قوله: {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} الثاني مقرر لما أفاده الأول. كذا قوله: {إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} ؛ لأن قوله: {إِنَّا مَعَكُمْ} معناه الثبات على اليهودية وقوله: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} رد للإسلام ودفع له منهم؛ لأن المستهزئ بالشيء المستخف به منكر له ودافع له، لكونه غير معتد به، ودفع نقيض الشيء تأكيد لثباته، ويحتمل الاستئناف، أي فما بالكم إن صح أنكم معنا توافقون أصحاب محمد.

وثانيهما أن تنزل الثانية من الأولى منزلة التأكيد اللفظي٤ من متبوعه في إفادة التقرير مع اتحاد المعنى، كقوله تعالى: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ٥} ، فإن هدى للمتقين معناه أنه في الهداية بالغ درجة لا يدرك كنهها حتى كأنه هداية محضة٦،


١ أعني قوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} .
٢ الجيم مثلثة في "جزافا"، أي من غير صدور عن روية وبصيرة.
٣ على لفظ المبني للمفعول والمرفوع المستتر عائد إلى {لا رَيْبَ فِيهِ} والمنصوب البارز إلى ذلك الكتاب، أي جعل {لا رَيْبَ فِيهِ} تابعًا لـ {ذَلِكَ الْكِتَابُ} وقوله: "نفيا لذلك" أي لذلك التوهم. ودفع هذا التوهم على تقدير كون الضمير في {لا رَيْبَ فِيهِ} عائدًا على ذلك الكتاب ظاهر أما إذا كان الضمير راجعًا للكتاب كما هو الظاهر فمبني على أنه إذا لم يكن ريب في غاية كما له لم يكن {ذَلِكَ الْكِتَابُ} بالمجازفة.
٤ بأن يختلف مضمون الجملتين ولكن يلزم من تقرر معنى أحدهما تقرر معنى الأخرى.
٥ خبر مبتدأ محذوف أي هو هدى - والمتقين مجاز مرسل علاقته ما يؤول إليه أي للضالين الصائرين إلى التقوى.
٦ وذلك لما في تنكير هدى من الإبهام والتفخيم، وحيث قيل هدى، ولم يقل "هاد".

<<  <  ج: ص:  >  >>