للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو لتمكن اللذة بالعلم به١ فإن الشيء إذا حصل كمال العلم به دفعة لم يتقدم حصول اللذة به ألم، وإذا حصل الشعور به من وجه دون وجه تشوقت النفس إلى العلم بالمجهول، فيحصل لها بسبب المعلوم لذة، وبسبب حرمانها من الباقي ألم، ثم إذا حصل لها العلم به حصلت لها لذة أخرى، واللذة عقيب الألم أقوى من اللذة التي لم يتقدمها ألم أو لتفخيم الأمر وتعظيمه كقوله٢ تعالى: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} ، فإن قوله اشرح لي يفيد طلب شرح لشيء ما له٣، وقوله: {صَدْرِي} يفيد تفسيره وبيانه٤ وكذلك قوله: ويسر لي أمري، والمقام مقتض للتأكيد للإرسال المؤذن بتلقي المكاره والشدائد. وكقوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِين} ، ففي إبهامه وتفسيره تفخيم للأمور وتعظيم له.


١ أي بالمعنى لما لا يخفى من أن نيل الشيء بعد الشوق والطلب ألذ.
٢ التركيب في ذاته من شأنه أن يفيد الأغراض الثلاثة فهو بحيث لو خوطب به غير الله أمكن فيه ما ذكر.
٣ أي للطالب، "فلي" ظرف مستقر وقع صفة لمحذوف.
أي اشرح شيئًا كائنًا لي، ثم فسر الشيء بالبدل منه بقوله: {صَدْرِي} ويصح أن المجرور متعلق بالشرح أي اشرح لأجلي، فالمقصود زيادة ربط اشرح بنفسه، فلا إجمال. أو أنه من قبيل الإجمال والتفصيل؛ لأن اشرح يفيد طلب شيء يشرح؛ لأن الشرح يستدعي مشروحًا لكنه مبهم، ثم فسر بصدري، وذلك أن تخصيص المطلوب بالطالب يفيد تعينه عنده، وإنما يتعين بمتعلق هو المفعول، لعلم الإنسان بأحوال نفسه غالبًا وتعلق غرضه بمصالحه الخاصة غالبًا، فيكون ذكره يعد إيضاحًا بعد إبهام، أما إذا لم يكن متخصصًا بالطالب فلا يفيد ذلك.
٤ أي تفسير ذلك الشيء وبيانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>