للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقول الآخر١:

لو أن عزة خاصمت شمس الضحى ... في الحسن عند موفق لقضى لها

إذ التقدير عند حاكم موفق، فقوله: "موفق" تكميل، وقول ابن المعتز:

صببنا عليها ظالمين سياطنا ... فطارت بها أيدٍ سراع وأرجلُ٢

وضرب يقع في آخر الكلام، كقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِين} ٣ فإنه لو اقتصر على وصفهم بالذلة على المؤمنين لتوهم أن ذلتهم لضعفهم فلما قيل: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِين} علم أنها منهم تواضع لهم، ولهذا عدي الذل بعلي بتضمينه معنى العطف، كأنه قيل عاطفين عليهم على وجه التذلل والتواضع، ويجوز أن تكون التعدية بعلي لأن المعنى أنهم مع شرفهم وعلو طبقاتهم


١ هو كثير عزة، وقضى لها: حكم لها على الشمس.
٢ والضمير في عليها للإبل وفي "بها" للسياط. قوله: "ظالمين" تكميل؛ لأن ضربها إنما يكون غالبا من تثاقل في السير فدفعه بذلك.
قال الحصري: في قول زهير:
سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم ... فلم يفعلوا، ولك يليموا، ولم يألوا
قال بعض أهل المعاني: أعجب بقوله: "ولم يألوا" لأنه لما ذكر السعي بعدهم والنخاف عن بلوغ مساعيهم جاز أن يتهم السامع أن لك لتقصير الطالبين في طلبهم فأخبر أنهم لم يألوا وأنهم كانوا غير مقصرين وأنهم مع الاجتهاد في المتأخرين إلخ ٨٨/ ١ زهر الآداب.
٣ قوله: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِين} إطناب حيث دفع توهم غيره، وإن كان له معنى مستقل في نفسه؛ لأنه لا يشترط في الإطناب أن لا يكون فيه معنى مستقل بل يجوز وجود الإطناب إذا استقل لفظه بإفادة المعنى وكان في إفادته دقة مناسبة لا يراعيها إلا البلغاء.
فلما كان يتوهم في ذلتهم على المؤمنين؛ لضعف فيهم دفعة بقوله: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِين} تنبيها على أن ذلك تواضع منهم للمؤمنين.

<<  <  ج: ص:  >  >>