الأصلي في الإتيان هو طلب النسل لا قضاء الشهوة، فلا تأتوهم إلا من حيث يأتي فيه هذا الغرض، وهو مما جاء في أكثر من جملة أيضا. ونحوه في كونه أكثر من جملة قوله تعالى:{قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مرْيَمَ} ، فإن قوله:{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} ليس من قول أم مريم، وكذا قوله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أوتُوا نصِيبًا منَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا، مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} أن جعل {مِنَ الَّذِينَ} بيانا للذين أوتوا نصيبا من الكتاب؛ لأنهم يهود ونصارى أو لأعدائكم، فإنه على الأول يكون قوله:{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} اعتراضا، وعلى الثاني يكون {وَكَفَى بِاللَّهِ} اعتراضا، ويجوز أن يكون {مِنَ الَّذِينَ} صلة، لـ:{نَصِيرًا} أن ينصركم من الذين هادوا كقوله: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا} وأن يكون كلاما مبتدأ على أن: {يُحَرِّفُونَ} صفة مبتدأ محذوف تقديره من الذين هادوا قوم يحرفون، كقوله١:
وما الدهر إلا تارتان فمنهما ... أموت وأخرى ابتغي العيش أكدح
وقد علم مما ذكرنا أن الاعتراض كما يأتي بغير واو ولا فاء قد يأتي بأحدهما ووجه حسن الاعتراض على الإطلاق حسن الإفادة مع أن مجيئه مجيء ما لا معول عيه في الإفادة فيكون مثله مثل الحسنة تأتيك من حيث لا ترتقبها.
ومن الناس من لا يقيد فائدة الاعتراض بما ذكرنا، بل يجوز أن
١ هو تميم ابن أبي ابن مقبل ٢٧ ما اتفق لفظه للمبرد، ١١٥/ ٢ الكامل للمبرد، ٢٧٦/ ١ الكتاب لسيبويه". أكدح: أجهد نفسي في العمل، ونقد الكلام فتارة منهما أموت.