للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنحن لا نشك أن في شعر الرجل استعارات بعيدة غريبة على الذوق العربي، ولكنا نثق أن باعثها عند أبي تمام هو أنه كان في شغل بالمعاني والإغراق في استنباطها وتدقيق النظر في أجزائها وحواشيها والإلمام بأصولها، فكان كثيرا ما تجيء من أجل ذلك في شعره استعارات بعيدة المعنى لا يستسيغها الطبع المطبوع.

ثم بين الآمدي النهج العربي في أسلوب الاستعارة وأن العرب إنما تستعير لمعنى ما ليس له إذا كان يقاربه أو يدانيه أو يشبهه في بعض أحواله، فتكون اللفظة المستعارة حينئذ لائقة بالشئ الذي استعيرت له وملائمة لمعناه "١١٤ موازنة "، وهو بهذا يشرح الاستعارة ويبين الحد الفاصل بين جميلها وقبيحها، وقد ذكر الآمدي عقب ذلك نصوصا ونماذج يتجلى فيها النهج العربي في أسلوب الاستعارة شارحًا أسباب الجمال فيها بأسلوب تتجلى روحه في كتابة عبد القاهر فيها في كتابه دلائل الإعجاز.

ومن المناسب أن نبحث رأي الآمدي في الاستعارة ونعرف ما فيه من تجديد:

أهم شيء ذكره الآمدي عن الاستعارة هو أن للعرب نهجا خاصا في أسلوبها، وأنها تراعي قرب الشبه وظهور المشاكلة والمناسبة بين المستعار له ومنه، وأن على البليغ أن يحافظ على هذا النهج ولا يتعداه حتى تكون استعاراته جميلة غير قبيحة ومفهومة غير غامضة.

وأساس هذه الفكرة قديم، فقد ورد في خطابة أرسطو: "أنه ينبغي إذا أراد الخطيب أن يستعير أن يأخذ الاستعارة من جنس مناسب لذلك الجنس مُحاكٍ َله غير بعيد منه ولا خارج عنه"١، ونقل هذه الفكرة قدامة في نقد الشعر، فتكلم على حسن الاستعارة وقبيحها وسبب الحسن والقبيح بما لا يخرج عن هذا الرأي٣ ثم أخذها عنه الآمدي في موازنته٢ حيث جعل جمال الاستعارة بقرب معناها من الحقيقة وأن بعد الاستعارة يجعلها قبيحة، وعلي نهج الآمدي سار صاحب الوساطة، فملاك الاستعارة عنده "تقريب الشبه ومناسبة المستعار له للمستعار منه٤ وإنما تحسن بأن تجيء على وجه من المناسبة وطرف من الشبه والمقاربة"٥، وعلى هذا مشى ابن رشيق٦، وعبد القاهر٧ وابن سنان الذي أخذ الفكرة ووافق.


١ المقالة الرابعة من الفن الثامن - الشفاء.
٢ "١٠٤-١٠٦" نقد الشعر.
٣ "١١٤".
٤ "٤٣ وساطة".
٥ "٣٢٤ وساطة".
٦ ٢٤٠ جـ١ عمدة.
٧ أسرار البلاغة

<<  <  ج: ص:  >  >>