للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن قتيبة١ قال: هي التي بلغتكما، قالا بلغنا أنك أكثرت فيها من الغريب قال: نعم إن ابن قتيبة يتباصر بالغريب فأحببت أن أورد عليه ما لا يعرف، قالا: فأنشدناها يا أبا معاذ فأنشدهما:

بكرا صاحبي قبل الهجير ... إن ذاك النجاح في التبكير

حتى فرغ منها، فقال له خلف: لو قلت يا أبا معاذ مكان "إن ذاك النجاح": بكرا فالنجاح، كان أحسن، فقال بشار: إنما بنيتها أعرابية وحشية فقلت "إن ذاك النجاح" كما يقول الأعراب البدويون، ولو قلت "بكرا فالنجاح" كان هذا من كلام المولدين، ولا يشبه ذلك الكلام ولا يدخل في معنى القصيدة، قال: فقام خلف فقبل بين عينيه.

فهل كان ما جرى بين خلف وبشار بمحضر من أبي عمرو بن العلاء -وهم من فحولة هذا الفن- إلا للطف المعنى في ذلك وخفائه؟

٢- وكذلك بنزل غير المنكر منزلة المنكر إذا ظهر عليه شيء من أمارات الإنكار٢. كقوله٣:


١ قائد من كبار القواد المشهورين في بدء عهد الدولة العباسية.
٢ وغير المنكر يشمل الخالي والسائل والعالم وإن كان المثال من تنزيل العالم منزلة المنكر.
٣ البيت لحجل بن نضلة. شقيق: اسم رجل. عارضًا رمحه أي واضعًا له على العرض بأن جعله وهو راكب على فخذيه.. فهو لا ينكر أن في بني عمه رماحًا لكن مجيئة هكذا واضعًا الرمح على العرض من غير التفات وتهيؤ أمارة على أنه يعتقد أنه لا رماح فيهم بل كلهم عزل لا سلاح معهم فنزله منزلة المنكر فأكد له الكلام فقال: "أن بني عمك فيهم رماح". وفي البيت تهكم واستهزاء كأنه يرميه بالضعف والجبن وبأنه لو علم أن فيهم رماحًا لما حملت يده السلاح ولفر من خوف الكفاح. فهو على طريقة قوله:
فقتل لمحرز لما التقينا ... تنكب لا يقطرك الزحام
والتقطير: الإلفاء على الأرض على البطن أو على أحد الجانبين.. برمية بأنه لم يباشر الشدائد ولم يدفع إلى مضايق الحروب، كأنه يخاف عليه أن يداس بالقوائم كما يخاف على الصبيان والنساء لقلة غنائه.

<<  <  ج: ص:  >  >>