للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاء شقيق عارضًا رمحه ... إن بني عمك فيهم رماح

فإن مجيئه هكذا مدلًّا بشجاعته قد وضع رمحه عرضًا لدليل على إعجاب شديد منه، واعتقاد أنه لا يقوم إليه من بني عمه أحد. كأنهم كلهم عزل ليس مع أحد منهم رمح.

٣- وكذلك بنزل المنكر١ منزلة غير المنكر إذا كان معه ما إن تأمله ارتدع عن الإنكار، كما يقال لمنكر الإسلام: الإسلام حق٢. وعليه قوله تعالى في حق القرآن: {لَاْ رَيْبَ فِيْهِ} ٣.


١ ومثله المتردد. وغير المنكر هنا وإن صدق بخالي الذهن والعالم بالحكم والمتردد فيه إلا أن المراد منه خصوص الأول. وقوله ما أن تأمله أي شيء من الدلائل والشواهد بحيث لو تأمل المنكر ذلك الشيء ارتدع عن إنكاره، ومعنى كونه معه، أن يكون معلومًا له ومشاهدًا عنده كالإسلام حق لمنكر ذلك؛ لأن مع ذلك المنكر دلائل على حقيقة الإسلام.
٢ اسمية لجملة هنا ليست مؤكدًا؛ لأنها إنما تكون مؤكدًا إذا اعتبر تحويلها عن الفعلية أو إذا انضمت لغيرها من المؤكدات أو أن اسمية الجملة ليست مؤكدة إلا إذا ناسب ذلك المقام.
٣ ظاهر هذا الكلام أنه مثال لجعل المنكر كغيره وترك التأكيد لذلك، وبيانه أن معنى "لاريب فيه" ليس القرآن بمظنة للريب ولا ينبغي أن يرتاب فيه، وهذا الحكم مما ينكر كثير من المخاطبين، لكن نزل إنكارهم منزلة عدمه أو على الأصح نزل المنكر منزلة غير المنكر، لما معه من الدلائل الدالة على أنه ليس مما ينبغي أن يرتاب فيه، من ظهور إعجازه وكون من أتى به صادقًا مصدوقًا بالمعجزات. والأحسن أن يقال أنه تنظير لتنزيل وجود الشيء منزلة عدمه -لا مثال للجعل- وذلك بناء على وجود ما يزيله، فإنه نزل ريب المرتابين منزلة عدمه تعويلًا على وجود ما يزيله، حتى صح نفي الريب على سبيل الاستغراق المفهوم من وقوع النكرة في سياق النفي المفيد للعموم الشمولي، فالمنفي هنا هو نفس الريب على سبيل الاستغراق. وفي الأول ليس المنفي الريب بل كون القرآن مظنة له خطابًا لمنكري ذلك. وهذا الوجه أحسن؛ لأنه لا يحتاج إلى التأويل الذي في الوجه الأول وما لا يحتاج إلى التأويل أولى مما يحتاج لتأويل.

<<  <  ج: ص:  >  >>