للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

هو، وفي لوازم ذلك، ولوازم لوازمه حتى لا يحس بجوعه ولا عطشه، ولا بمن يسلم عليه، ولا بحال أهله، ولا بغير ذلك من ضرورات نفسه وماله، فضلًا أن يذكر ربه أو الصلاة، وهذا كما يحصل لشارب الخمر؛ بل كثير من الشُّرَّاب يكون عقله أصحى من كثير من أهل الشطرنج والنرد، واللاعب بها لا تنقضي نهمته منها إلا بدُسْت (١) بعد دُسْت؛ كما لا تنقضي نهمة شارب الخمر إلا بقدح بعد قدح، وتبقى آثارها في النفس بعد انقضائها أكثر من آثار شارب الخمر حتى تعرض له في الصلاة والمرض، وعند ركوب الدابة؛ بل وعند الموت؛ وأمثال ذلك من الأوقات التي يطلب فيها ذكره لربه وتوجهه إليه ... والفعل إذا اشتمل كثيرًا على ذلك، وكانت الطباع تقتضيه، ولم يكن فيه مصلحة راجحة حرمه الشرع قطعًا، فكيف إذا اشتمل على ذلك غالبًا؟ وهذا أصل مستمر في أصول الشريعة وهو أن كل فعل أفضى إلى المحرم كثيرًا كان سببًا للشر والفساد؛ فإذا لم يكن فيه مصلحة راجحة شرعية، وكانت مفسدته راجحة نهي عنه؛ بل كل سبب يفضي إلى الفساد نهي عنه إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة» (٢).

وقال ابن حجر الهيتمي: «وحكمة تحريمه أن فيه حزرًا وتخمينًا؛ فيؤدي إلى التخاصم، والفتن التي لا غاية لها، ففطم الناس عنه حذرًا من الشرور التي تترتب عليه» (٣).

ثالثًا: قاس بعض علماء الشافعية (٤) على النرد كلُّ لعبة يُعتمد فيها على الحظ والتخمين، فكل لعبة وجدت فيها هذه العلة، فإنها محرمةٌ مثلها (٥)، وفي هذا القياس تأمل؛ لأنه لو كانت هذه هي العلة وحدها لصح القياس عليها،


(١) جاء في تاج العروس ٤/ ٥١٩: «تم عليه الدست؛ أي: غلب، وفلان حسن الدست: شطرنجيٌّ حاذق، وهو مأخوذ من دست القمار».
(٢) مجموع الفتاوى ٣٢/ ٢٢٧.
(٣) كف الرعاع ص ٩٧.
(٤) ينظر: نهاية المحتاج ٨/ ٢٩٥، ومغني المحتاج ٤/ ٤٢٨، وكف الرعاع ص ٣٣١، الضوابط العامة في مجال السبق ص ١٩٧ - ١٩٨.
(٥) مثل لعبة السلم والثعبان، والمونوبولي ونحوها، مما يعتمد على ما يأتي به الزهر.

<<  <   >  >>