الأزمات والحروب، واشتركوا مع الشماليين في الحملات التي كانت تنبعث من شبه الجزيرة للإغارة على الوديان الخصيبة في شرق البحر الأبيض المتوسط. وكانوا في كل حركاتهم هذه يحملون ثقافتهم ومدنيتهم معهم، فيمزجونها بما لدى الشماليين، ثم يحملون الحضارة المشتركة معهم إلى حيث كانوا يغيرون, فيمزجونها بالحضارات التي كانت تقوم في تلك الوديان.
وانفردت الجزيرة العربية -أو قل: الحجاز من بينها- بصفة خاصة: بأنها كانت مصدر المعجزات الإنسانية خلال عصور التاريخ.
فهي التي وجهت العالم القديم قبل الإسلام، وهي التي وجهت العالم بعد ظهور الإسلام، وهي التي خرّجت عظماء الإنسانية خلال عصور التاريخ، ومنها خرج محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- ومنها كذلك انبثق نور الإسلام وشع ضوءه على أرجاء الدنيا في المشرق والمغرب.
ولقد قام سكان الجزيرة العربية -وفي مقدمتهم عرب الحجاز- بكثير من الأدوار المهمة في تاريخ الشرق الأوسط وحضارته؛ فقد كانت هذه الحضارات تتعرض للانهيار، فكان أهل صحارى العرب ينشطون في بعض الأحقاب، فيبثّون روح النهوض من جديد، إذ كانت الواحات المتناثرة في أرجاء الصحارى مراكز للمدنية، وكانت مدنها معاقل للثقافة والتجارة والزعامة ... وكانت القبائل الرحل كثيرا ما تغير على مراكز المدنيات في وديان الأنهار في شمال الجزيرة العربية -وديان: دجلة والفرات وسوريا وفلسطين- في أويقات ضعفها، حاملة معها نقاء الصحراء وطهرها وبساطتها، فيبثون هذا الروح الجديد فيمن تتم لهم الغلبة والسيادة عليهم، ويأخذون عنهم ثقافتهم.
ويكفي مثالا أن نذكر أن بدو شبه الجزيرة العربية هم الذين خرجوا من ديارهم منذ ثلاثة عشر قرنا، وقد تملكهم الإيمان بعقيدة جديدة -هي الإسلام- فانسابوا ينشرون ضياءها في الأرض.