للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأراد المطلب أن يعطي ابن أخيه مال أبيه هاشم، فأبى عليه ذلك أخوه نوفل، ووضع يده على ذلك المال، ولما كبر شيبة الحمد واشتد ساعده -بعد وفاة المطلب- لجأ عبد المطلب إلى أهل مكة، فرفضوا أن يدخلوا بين العم وابن أخيه، فكتب بعد ذلك إلى أخواله بني النجار في يثرب فنصروه، واضطر نوفل إلى رد ماله إليه قسرا، وقام عبد المطلب في مناصب هاشم من السقاية والرفادة، لكنه لقي في القيام بها مشقة، وبخاصة السقاية؛ لأن سقاية الحاج كانت تجمع من آبار عدة مبعثرة حول مكة، ولم يكن لعبد المطلب من يساعده غير ولده الحارث، وشغل هذا الأمر بال عبد المطلب، وتمنى لو أن زمزم لا زالت باقية، وأن مضاض بن الحارث الجرهمي لم يكن قد طمّها في القرون الخالية, وظل عبد المطلب يعاني المتاعب في سقاية الحاج وحده، فهو منشغل بأمر السقاية، وبينما هو في منامه، إذ ناداه هاتف: أن احفر زمزم. فقال: وما زمزم؟ فقال الهاتف: بين الفرث والدم عند نقرة الأعصم، وما زال الهاتف يأتيه، حتى اهتدى عبد المطلب إلى مكان زمزم١.

شمر عبد المطلب عن ساعد الجد، وجعل يحفر، وابنه الحارث ينقل التراب والرمال حتى نبع الماء، وظهرت النفائس من الذهب والأسياف والدروع، التي كان قد خبأها الملك مضاض الجرهمي، فعزّ على قريش أن تترك ذلك لعبد المطلب، فنازعوه على البئر وما وجد فيها، ولم يكن للمطلب من الأولاد عدد يستمد منهم ومن قوتهم حولا وسلطانا، ولم يستطع أن يمنع نفسه من قريش؛ فرضخ للاحتكام إلى الأقداح لدى هبل في جوف الكعبة، وضربت الأقداح, فوقعت النفائس من نصيب عبد المطلب والكعبة.

وكان من بينها غزالتان وألواح كلها من الذهب، تنازل عنها عبد المطلب وضربها ألواحا للكعبة، وحليا لأبواب البيت الحرام.

ولكن المسألة تركت أثرا في نفس عبد المطلب، ذلك أنه شعر بهوانه


١ على هامش السيرة للدكتور طه حسين، ومكان زمزم بين "إساف ونائلة".

<<  <   >  >>