للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على قومه وضعفه بينهم وقهره على أن يرضخ لحكم القداح. ولم يكن له من الأولاد ما يجد بهم نصرة، فنذر لئن بلغ ولده عشرة بنين يراهم قادرين على منعه من مثل ما لقي حين حفر زمزم، لينحرن أحدهم قربانا إلى الله عند باب الكعبة، وكرّت الأعوام، وألفى عبد المطلب حوله بنين عشرة، كلهم أشداء, قد بلغوا من القوة ما حسب عبد المطلب معه أنهم قادرون على منعه من مثل ما لقي حين حفر زمزم.

فدعا عبد المطلب أبناءه للوفاء بنذره، فأجابوه إلى ما طلب، فاقتادهم إلى جوف الكعبة لدى هبل، وكتب كل واحد من الأولاد اسمه على قدح، ثم أديرت الأقداح في جمع من قريش, فخرج القدح على عبد الله، أصغر أولاد عبد المطلب وأحبهم إليه.

واقتاد عبد المطلب ولده عبد الله إلى ما بين إساف ونائلة، حيث كانت تنحر العرب أنعامها. فبكت بنات عبد المطلب، وتعلقن بأخيهن، ورأت قريش في نحر عبد الله شدة وقسوة، فتوسلت إلى عبد المطلب أن يكف عن النحر، وأن يلتمس العذر على عدم الذبح عند هبل, ولم يشأ عبد المطلب أن ينزل عن مراده حتى توجد وسيلة لإرضاء الله، فتشاور القوم. وأخيرا قرّ رأيهم على استشارة عرافة بيثرب، فأشارت بتقريب عشرة من الإبل تضرب عليها وعلى عبد الله القداح, فإذا خرجت القداح على عبد الله، زِيد في الإبل عشرة، وضربت الأقداح ثانية، وهكذا حتى ترضى الآلهة، وفعلوا وجعلت الأقداح تخرج على عبد الله فيزيد في الإبل عشرة، حتى بلغت مائة والناس يشهدون عند الكعبة. ثم ضربوا فخرجت القداح على الإبل، فقال الناس: قد رضي ربك، وقال عبد المطلب: لا, حتى أضرب عليها ثلاثا فتخرج على الإبل، فضرب ثلاثا فخرجت عليها، فنحرت الإبل، ثم تركت لا يصد عنها إنسان, ولا طير، ولا وحش١.

وفي عهد عبد المطلب كانت واقعة الفيل، بين أصحاب الفيل من طغاة الأحباش


١ الكامل لابن الأثير ص٢, ٣.

<<  <   >  >>