وإنما كانت العجم تصب المرق في الصحاف ثم تأتدم بالخبز، فدعا به قيصر، فلما رآه وكلمه أعجب به، فكان يبعث إليه في كل يوم فيدخل عليه ويحادثه، فلما رأى نفسه تمكن عنده قال له: أيها الملك، إن قومي تجار العرب، فإن رأيت أن تكتب لي كتابا تؤمن تجارتهم, فيقدموا عليك بما يستطرف من أدم الحجاز وثيابه فتباع عندكم فهو أرخص عليكم، فكتب له كتاب أمان لمن يقدم منهم، فأقبل هاشم بذلك الكتاب، فجعل كلما مر بحي من العرب بطريق الشام أخذ من أشرافهم إيلافا، والإيلاف: أن يأمنوا عندهم في أرضهم بغير حلف، إنما هو أمان الطريق، وعلى أن قريشا تحمل لهم بضائع فيكفونهم حملانها، ويؤدون إليهم رءوس أموالهم وربحهم، فأصلح هاشم ذلك الإيلاف بينهم وبين أهل الشام، حتى قدم مكة، فأتاهم بأعظم شيء أتوا به بركة، فخرجوا بتجارة عظيمة، وخرج هاشم معهم يجوزهم، يوفيهم إيلافهم الذي أخذ لهم من العرب، حتى أوردهم الشام وأحلهم قراها، ومات في ذلك السفر بغزة، وخرج المطلب بن عبد مناف إلى اليمن، فأخذ من ملوكهم عهدا لمن تجر إليهم من قريش، وأخذ الإيلاف كفعل هاشم، وكان أكبر أولاد عبد مناف، وكان يسمى الفيض، وهلك بردمان من اليمن، وخرج عبد شمس بن عبد مناف إلى الحبشة، فأخذ إيلافا كفعل هاشم والمطلب، وهلك عبد شمس بمكة، فقبره بالحجون, وخرج نوفل بن عبد مناف وكان أصغر ولد أبيه، فأخذ عهدا من كسرى لتجار قريش، وإيلافا ممن مر به من العرب، ثم قدم مكة ورجع إلى العراق، فمات بسلمان. واتسعت قريش في التجارة، وكثرت أموالها، فبنو عبد مناف أعظم قريش على قريش منة في الجاهلية والإسلام".