للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"ثانيا" المدينة:

تاريخ المدينة السياسي قبل الإسلام:

"كان ساكنو المدينة -في أول الدهر قبل بني إسرائيل- قوما من الأمم الساحقة، يقال لهم: "العماليق". وكانوا قد تفرقوا في البلاد، وكانوا أهل غزو وبغي شديد، فكان ملك الحجاز منهم يقال له: الأرقم, ينزل ما بين تيماء وفدك، وكانوا قد ملئوا المدينة ولهم بها نخل كثير وزرع، وكان موسى بن عمران قد بعث الجنود إلى الجبابرة من أهل القرى يغزونهم، فبعث موسى إلى العماليق جيشا من بني إسرائيل، وأمرهم أن يقتلوهم جميعا ولا يستبقوا منهم أحدا، فقدم الجيش الحجاز فأظهرهم الله على العماليق، فقتلوهم أجمعين إلا ابنا للأرقم كان وضيئا جميلا, فضنوا به على القتل، وقالوا: نذهب به إلى موسى فيرى رأيه فيه، فرجعوا إلى الشام فوجدوا موسى قد توفي، فقال لهم بنو إسرائيل: ما صنعتم؟ فقالوا: أظهرنا الله عليهم فقتلناهم, ولم يبق منهم أحد غير فلان كان شابا جميلا, فنفسنا به على القتل، وقلنا: نأتي به موسى فيرى فيه رأيه، فقالوا لهم: هذه معصية، قد أمرتم ألا تستبقوا منهم وألا تدخلوا علينا الشام أبدا. فلما صنعوا ذلك قالوا: ما كان خيرا لنا من منازل القوم الذين قتلناهم بالحجاز، نرجع إليهم فنقيم بها، فرجعوا على حاميتهم فنزلوها، فكان ذلك الجيش أول سكنى اليهود بالمدينة١. ويشك ابن خلدون في صحة هذه الرواية؛ لأنها لم توجد عند اليهود، ولأن اليهود لا يعرفون هذه القصة.

ولكن من الراجح أن اليهود نزحوا إلى الحجاز في بعض النكبات التي أصابتهم، وإن كان نزوحهم ثابتا لما هدم بختنصر بيت المقدس, وأجلى من أجلى، وسبى من سبى من بني إسرائيل، ففر قوم منهم إلى الحجاز، ونزلوا وادي القرى ويثرب وتيماء٢. ثم لحق بهؤلاء إخوان لهم فرارا من بومبي، ومن تيطس، ومن هادريان.


١ الأغاني ج١١.
٢ تاريخ الطبري ١/ ٢٨١, وفتوح البلدان للبلاذري ٢١-٢٣.

<<  <   >  >>