الكعبة وحكم مكة، وبذلك أصبح قصي رئيسا للجمهورية المكية وزعيما لديانتها، وكان أول ما صنعه قصي أن جمع قريشا وأسكنها وادي إبراهيم، فنزل سادتها وسراتها فيما بين الأخشبين ويسمون قريش البطاح، ونزل سائر قريش فيما وراء ذلك بظاهر مكة, فسموا قريش الظواهر.
وكان لقصي كل الوظائف الرئيسية دينية كانت أم سياسية، وكان -كما سبق- رئيسا لدار الندوة وبيده اللواء والرفادة والحجابة. وإذا ما استعرضنا الاصطلاح الحديث -مع شيء من التجاوز- قلنا: إنه كان مهيمنا على السلطات التشريعية والمالية والحربية, وكان القائد الأعلى للجيش كما كان كبير مستشاري الدولة، ورئيس الجمعية الوطنية في الحكومة المكية الفتية، وكان -لشخصيته القوية ونفوذه الواسع وجمعه لهذه المناصب الكبيرة- زعيما لبلاد العرب ورئيسها الديني الأعلى.
الحزب الهاشمي, والحزب الأموي:
كان قصي في حياته قد وكل أمر اللواء والرفادة وغيرهما لابنه عبد الدار؛ ولذا كان من الطبيعي أن يتولى السلطان بعد وفاة والده، وظلت السلطات في أيدي بني عبد الدار وأحفاده. ونستطيع أن نقول: إنه كان يحكم قريشا في هذه الفترة حزب واحد, حتى نشأ الخلاف بين عبد مناف وعبد الدار، ووزعت بينهم السلطات على نحو ما سبق بيانه، فأصبحت الحكومة القرشية حكومة ائتلافية يشترك فيها حزبان كبيران. بيد أن سلالة عبد مناف احتفظت بالزعامة الحقيقية لمكة، وانقسم بنو عبد مناف بدورهم إلى حزبين هما: بيت ابنه هاشم، وابنه عبد شمس، ولقد احتفظ البيت الهاشمي بمنصبي الرفادة والسقاية، فكسب بذلك نفوذا ثبَّته حسن إدارة المطلب، ثم ابن أخيه عبد المطلب من بعده الذي اعتبرته مكة -كما اعتبرت أباه هاشما من قبل- زعيم شيوخ مكة.
أما فرع أمية بن عبد شمس, فإنه كان كثير العلاقات بالبيوت الأخرى، وأكسبته علاقاته هذه نفوذا، واحتفظ بمنصب هام هو القيادة في الحرب.