"وبلغ التنافس بين هذين الحزبين أشده إبان البعثة النبوية, ولكن باعتناق مكة الإسلام اختفت هذه المنازعات إبان الحماس الديني والفتوح الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين"١.
العدالة السياسية, والتكافل الاجتماعي:
بعد هذا سنعرض بعض المشكلات الجوهرية التي تواجه عادة الحكومات والمجتمعات في كل عصر ومصر؛ لنرى كيف حلها المجتمع القرشي والحكومة القرشية.
فأما المشكلة الأولى فهي مشكلة الأمن الداخلي لسلامة الوطنيين وغير الوطنيين, سواء كانوا من الجاليات الأجنبية أو من العرب الذين يفدون إلى مكة وأسواقها لأغراض دينية أو تجارية أو أدبية. وقد وجدت قريش أن قوة القانون وحدها لا تكفي لتحقيق هذا الغرض, بل لا بد من حصانة خلقية تسوق المجتمع لحماية الأفراد من العدوان أيا كان هذا العدوان، ولا بد أن يستشعر القرشيون -بوصفهم مواطنين لا بوصفهم حكاما- أن عليهم أن يردوا المظالم وأن يأخذوا بيد الضعيف والمظلوم, وأن ينتصفوا له من ظالمه أيا كانت شكيمته. وهذا اللون من الالتزام والشعور بالمسئولية ما ساد مجتمعا من المجتمعات إلا رفرف عليه روح الأمن والطمأنينة والسلام, وأصبح في الذروة من الرقي والحياة الحرة الكريمة.
كان ذلك في دار عبد الله بن جدعان, حيث اجتمعت طوائف من قريش تنتظم بني هاشم وأسد وزهرة وتيم, وتعاقدوا على ألا يظلم بمكة غريب ولا قريب ولا حر ولا عبد إلا كانوا معه حتى يأخذوا له بحقه ويؤدوا إليه مظلمته من أنفسهم ومن غيرهم. فاعجب لأناس ينتصفون للخصم والمظلوم من أنفسهم قبل غيرهم. وبعد إبرام هذا الحلف العظيم الذي كان يسمى حلف الفضول, قدم رجل من خثعم مكة تاجرا ومعه ابنة له اسمها القتول من أوضأ نساء العالمين وجها، فعلقها نبيه بن الحجاج السهمي فلم يبرح حتى نقلها إليه وغلب