أباها عليها، فقيل لأبيها: عليك بحلف الفضول، فأتاهم فشكا ذلك إليهم، فأتوا نبيهًا، فقالوا: أخرج ابنة هذا الرجل، وهو يومئذ منتد بناحية مكة وهي معه، فأخرجها إليهم, فأعطوه إياها وركبوا وركب معهم الخثعمي.
وأما المشكلة الثانية, فهي مشكلة العوز والفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع المكي، تلك المشكلة التي لا تزال الحكومات والمجتمعات الحديثة تشكو منها، ويستبين عجزها الفاضح عن حلها ... قد حلتها قريش بأسلوب، مهما قيل في بساطته، فقد كفل القضاء على الفقر والإدقاع؛ إذ ألزمت الأغنياء بكفالة الفقراء، وبذلك دُفع عن ذوي الحاجة غائلة الخصاصة، وأصبح الأغنياء والفقراء في ميزان الحياة على السواء بهذا التكافل الاجتماعي الذي غدا مبدأ مرعيا، وسنة من سنن المجتمع المكي منذ عهد هاشم حتى مجيء الإسلام.
فلقد كانت قريش إذا أصاب واحدًا منهم مخمصة، خرج هو وعياله إلى موضع، وضربوا على أنفسهم خباء حتى يموتوا، إلى أن جاء هاشم بن عبد مناف وكان سيد قومه, وكان له ابن يقال له: أسد, وكان له ترب من بني مخزوم يحبه ويلعب معه, فشكا إليه الضر والمجاعة، فدخل أسد على أمه يبكي, فأرسلت إلى أولئك بدقيق وشحم فعاشوا فيه أياما. ثم أتى ترب أسدا مرة أخرى وشكا إليه الجوع, فقام هاشم خطيبا في قريش فقال:
"إنكم أجدبتم جدبا تقلون فيه وتذلون, وأنتم أهل حرم الله وأشراف ولد آدم، والناس لكم تبع" قالوا: "نحن تبع لك, فليس عليك منا خلاف".
فجمع هاشم كل بني أب على الرحلتين في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام للتجارات، فما ربح الغني قسمه بينه وبين الفقير حتى كان فقيرهم كغنيهم. فجاء الإسلام وهم على ذلك، فلم يكن في العرب بنو أب أكثر مالا ولا أعز من قريش.