للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والخالطون فقيرهم بغنيهم ... حتى يكون فقيرهم كالكافي١

وأما المشكلة الثالثة, فهي مشكلة المحافظة على الكيان السياسي والاقتصادي، وقد اتخذت قريش الوسيلة لحلها عن طريقين, أولهما: الطريق السلمي الذي يعتمد على المعاهدات السياسية والتجارية, والتي تؤمن الشريان الحيوي لتجارتها عبر الصحراء إلى الشام واليمن. وثانيهما: قوة الدفاع الوطني التي تعتمد أولا على السواعد القوية لقبيلة قريش الفتية، وثانيا على طائفة الحبش من فلول جيش أبرهة وغيرهم، وعلى حلفاء قريش من العرب الذين كانوا يسمون "الأحابيش".

أحابيش قريش وقوة الدفاع العسكري:

ويستعمل لفظ "الأحابيش" في الدلالة على القوة العسكرية التي كانت تستأجرها قريش قبيل الإسلام؛ للدفاع عن بلدها وقوافلها التي كانت تتردد بين الشام واليمن.

ويؤخذ من صريح النصوص العربية، لغوية كانت أو تاريخية، أن هذه القوة كانت عبارة عن حلف قوامه أحياء من عرب كنانة وخزيمة اللتين كانتا تنزلان أغوار تهامة، ومن خزاعة التي كانت تنزل بظاهر مكة. بهذه النصوص أخذ المستشرق الألماني الكبير فلهاوزن, فقال في كتابه الذي ألفه "عن الوثنية العربية" هذه العبارة: "الأحابيش: أحلاف قريش السياسيون".

ولكن لامانس المستشرق اليسوعي المعروف نشر في المجلة الأسيوية, مقالا ضافيا ذهب فيه أن رواة اللغة العربية قد وهموا في تفسير هذا اللفظ, وأن الأحابيش كانوا -كلهم أو جلهم على أقل تقدير- زنوجا من بلاد الحبشة، وأن رواة السيرة تعمدوا القول بأنهم عرب؛ أنفة من أن يقولوا: إن قريشا كانت في الجاهلية تستعين بالسودان في الدفاع عن حوزتها. بيد أن المرحوم عبد الحميد العبادي قد أثبت:

١- أن الأحابيش كانوا عربا.


١ الكافي: الغنى. راجع بلوغ الأرب ج٣ ص٣٦٨.

<<  <   >  >>