للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجنسية الأحابيش العرب يؤكدها تاريخ حلفهم الذي نرجح أنه قام في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي, وانتهى بفتح الرسول مكة سنة ثمانٍ للهجرة. فإنا إذا رجعنا إلى تاريخ عصر النبوة وجدنا الأحابيش طوال ذلك العصر الخطير قوة عربية لها خصائص القبيلة: من سيد يتزعمها، وأرض تنزلها، وراية تحفّ بها عند الحرب، وأنها كانت من حيث علاقاتها السياسية بقريش تنزل منها منزلة الحليف من الحليف، والند من الند، وأنها كانت مسموعة الكلمة في الشئون العامة لقريش ... فالأحابيش عرب وليسوا زنوجا، وقد كانوا حلفاء لقريش تستأجرهم للدفاع عن كيانها الاقتصادي.

وقد كان بمكة قوة من الحبش حقا, ولكن هذه القوة لم تكن من الأحابيش في شيء، بل كانت عبارة عن طبقة من العبيد مسخرة لأشراف مكة في حالي السلم والحرب. ومما يدل على تمييز هذه الطبقة من الأحابيش قول الطبري في غزوة أحد:

"فلما التقى الناس كان أول من لقيهم أبو عامر في الأحابيش وعبدان أهل مكة"، وعطف عبدان على ما قبلها هنا عطف نسق يفيد المغايرة، وليس عطف توضيح وبيان كما يرى لامانس١.

وبعض طبقة الحبش قد شري بالمال، وبعضها كان من فلول حملة أبرهة الحبشي على الحجاز ... يقول الأزرقي: "وأقام بمكة فلال من الحبش وعسفاء وبعض من ضمه العسكر, يعتملون ويرعون لأهل مكة"٢، وعرف عنهم خلتان: إطعام الطعام، والبأس يوم البأس. ومن هذه الطبقة وحشي قاتل حمزة يوم أحد، وصؤاب حامل لواء قريش في ذلك اليوم.

وقصارى القول: أن القوة العسكرية لمكة لم تكن تعتمد على سواعد القرشيين وحسب، وإنما كانت تنتظم كذلك طوائف من الحبش الأرقاء، ومن


١ صور من التاريخ الإسلامي, العصر العربي, الأستاذ عبد الحميد العبادي ص١٣-٢١.
٢ أخبار مكة للأزرقي ج١ ص٩١، طبعة مكة.

<<  <   >  >>