وكانت المرأة البدوية تشاطر زوجها أعباء الحياة؛ فتواسي الجرحى وتقف خلف الصفوف تبعث الحمية في نفوس الرجال فيستميتون في القتال؛ خوفا على نسائهم أن يقعن في السبي. وفي السلم تنسج الخيام والملابس وتخيطهما, وتحضر الماء وتطهي الطعام وتصنع الأقط والزبد, وكانت سافرا تقابل الضيوف وتقريهم، وتستشار في زوجها فتقبل أو ترفض.
وقد كثر ذكرها في أشعارها واحتلت الذروة منها وافتتحوا بها قصائدهم، وكثيرا ما نراها واقفة في وجه زوجها تصده عن الاسترسال في الكرم والقتال ضنا بنفسه وبماله، فلا يثنيه ذلك عما ركب في طبيعته من حب السخاء والشجاعة؛ إيثارا لحسن الأحدوثة وجمال الذكر.
قال أحد شعرائهم القدامى:
وعاذلة هبت بليل تلومني ... ولم يغتمز في قبل ذاك عذول
تقول: اتئد لا يدعك الناس مملقا ... وتزري بمن يابن الكرام تعول
فقلت: أبت نفس علي كريمة ... وطارق ليل غير ذاك يقول
ولكن العرب -لشدة غيرتهم على نسائهم وحرصهم على أعراضهم أن تثلم، ولأن حياتهم حياة حربية, ثم لفقرهم- كرهوا البنات، وقالوا: دفن البنات من المكرمات. ومما يروى في ذلك، أن رجلا تحول عن بيت زوجه إلى بيت جاره حين ولدت بنتا، فسمعها ذات يوم تغني, وهي ترقصها:
ما لأبي حمزة لا يأتينا ... يظل في البيت الذي يلينا
غضبان ألا نلد البنينا ... والله ما ذلك في أيدينا
وإنما نأخذ ما أعطينا ... ونحن كالأرض لزارعينا
ننبت ما قد زرعوه فينا
فأثر ذلك في نفسه، وعاوده حدب الوالد على ولده.
وقد أسرف بعضهم في بغضهن فاستباح وأدهن. واستفظع ذلك كثير من عقلائهم، فكانوا يفدونهن من أهلهن ويحتضنونهن، ومن هؤلاء صعصعة بن ناجية، وبه افتخر الفرزدق، فقال: