للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمن على أموالها وقوافلها لمنزلتهم الدينية في نفوس سكان الجزيرة. قال الزمخشري وصاحب القاموس: وكان لقريش رحلتان: يرحلون في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام, فيمتارون ويتجرون، وكانوا في رحلتهم آمنين؛ لأنهم أهل حرم الله، وولاة بيته، والناس يتخطفون من حولهم، فإذا عرض لهم عارض، قالوا: نحن أهل حرم الله، فينصرف عنهم من غير أن يمسهم بسوء. ولهذه الرحلات وما فيها من مشاهدات أثر كبير في رقيهم الثقافي والفكري؛ لذلك كانوا أرقى عرب الشمال عقلا، وأسماهم فكرا وثقافة.

النسيء:

ومعناه: التأجيل والتأخير، وأصله أن العرب كانوا على دين إبراهيم -عليه السلام- يعتقدون تعظيم الأشهر الحرم، وهي أربعة: المحرم, رجب, ذو القعدة, ذو الحجة، وكانوا يتحرجون فيها من القتال، ولكنهم كانوا يكرهون توالي ثلاثة أشهر من غير قتال ونفوسهم مجبولة على الحروب وشن الغارات, فكانوا إذا احتاجوا إلى الحرب في المحرم أخّروا تحريمه إلى صفر، فإن احتاجوا أيضا إلى الحرب في صفر أحلوه وحرموا مكانه ربيعا الأول, وهكذا حتى استدار التحريم على جميع فصول السنة, وانعدم ضبط الأشهر الحرم، وضاعت خصوصيتها اعتمادا على تحريم مجرد العدد.

أما كيفية ذلك, فكان الرجل من كنانة يقوم على باب الكعبة، أو عند جمرة العقبة إذا صدر الحاج من منى, فيقول: أنا الذي لا أعاب، ولا أخاب، ولا يرد لي قضاء، فيقولون: صدقت، أنسئنا شهرا، فيقول: إني أحللت لكم شهر كذا وأنسأته وحرمت مكانه شهر كذا "ويسمي الشهر".

وكان من عادتهم أيضا تأخير أشهر الحج أو أشهر أخرى, يقصدون بذلك أن يأتي الحج في فصل معين من السنة لا يختلف باختلاف الفصول حتى

<<  <   >  >>