هذا هو موقع عكاظ كما حققه الثقات عن مشاهدة وعيان، ولا عبرة بمن يقول: إن موقع عكاظ في السيل الكبير على الطريق بين مكة والطائف, أو السيل الصغير في الطريق بين السيل الكبير والطائف؛ أولا: لما في هذا القول من مخالفة للتحديد المذكور في الأقوال السابقة, وهو الأهم. وثانيا: لأنها تقع في مجرى السيول التي تسير في تلك الناحية. وثالثا: لأنها تضيق عن الغرض المقصود منها, وهو إقامة تلك السوق العربية الكبيرة.
أثرها الأدبي:
كانت سوق عكاظ ميدانا للتجارة, وفداء الأسرى, والمفاوضة في الرأي، وتبادل الأفكار؛ كما كانت ميدانا للمنافرة والمفاخرة وإنشاد القصائد, وكان بها في الجاهلية منابر يقوم عليها الخطباء، فيقف أشراف القبائل مفاخرين بمناقبهم ومآثر قومهم. وكانت معرضا للبلاغة ومدرسة بدوية يلقى فيها الشعر والخطب، وينقد ذلك كله ويهذب، وفيه أنشد ابن كلثوم معلقته، ويقال: إن المعلقات أنشدت فيها, كما أنشد فيها الأعشى مدحته المحبرة في المحلق. وممن ألقى فيها مدائحه حسان، كما كانت الخنساء تلقي فيها مراثيها وتعاظم بمصيبتها. وكان النابغة تضرب له قبة حمراء في سوق عكاظ ويجتمع عليه الشعراء فيتحاكمون إليه.
أتاه الأعشى يوما فأنشده، ثم أتاه حسان, فقال: لولا أن أبا بصير أنشدني آنفا لقلت: إنك أشعر الجن والإنس، قال حسان: والله لأنا أشعر منك ومن أبيك وجدك، فقبض النابغة على يده، وقال: يابن أخي, أنت لا تحسن أن تقول:
فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى منك واسع
ثم أتته الخنساء, فأنشدته:
قذى بعينك أم بالعين عوار ... أم أقفرت إذ خلت من أهلها الدار؟ ١