قال: ما رأيت ذا مثانة أشعر منك.
ويروى: أنه قال لها: لولا أن أبا بصير سبقك لقلت: إنك أشعر من بالسوق، ويروى أنه قال لحسان حين بلغ من قصيدته:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
ولدنا بني العنقاء وابني محرق ... فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما
قللت جفانك ولو قلت: الجفان لكانت أكثر، وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك، وقلت: يلمعن بالضحى، ولو قلت: يبرقن بالدجى لكان أبلغ؛ لأن الضيف بالميل أكثر طروقا، وأنثت السيوف١.
وكذلك قصدت هند بنت عتبة بن ربيعة هذه السوق حين قتل أهلها في بدر، وقرنت جملها بجمل الخنساء، وأخذت كل منهما تعاظم الأخرى بمصابها وتساجل في الشعر لوعة بلوعة، ورثاء برثاء.
وفي سوق عكاظ خطب قس بن ساعدة خطبته المشهورة، وقد سمعها الرسول -صلوات الله عليه.
وكان عليها رئيس يشرف على الموسم ويقضي بين المتخاصمين، ومن الرؤساء عامر بن الظرب العدواني، واستمرت في الإسلام. وكان محمد بن سفيان بن مجاشع قاضيا لها، وكان أبوه يقضي فيها في الجاهلية. وقد قصدها الرسول الأعظم يبث فيها دعوته, وبقيت حتى خربت عام ١٢٩هـ.
وكانت سوق عكاظ سببا في أربع حروب نشبت بين العرب, وسميت حروب الفجار.
وكان سبب الأولى "المفاخرة في سوق عكاظ"، وسبب الثانية "تعرض فتية من قريش لامرأة من بني عامر بن صعصعة بسوق عكاظ", وسبب الثالثة "مقاضاة دائن لمدينه مع إذلاله في سوق عكاظ", وسبب الرابعة "أن عروة الرحال ضمن أن تصل تجارة النعمان بن المنذر إلى سوق عكاظ آمنة, فقتله البراض في الطريق". وهذه الحروب كانت قبل مبعث الرسول وهو ابن أربع عشرة سنة وشهدها مع أعمامه, وقال: $"كنت يوم الفجار أنبل على عمومتي".
١ الأغاني جـ٨ ص١٩٤، ١٩٥، والجفنات: القصاع الكبيرة.