للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويفهم مما ورد في بعض المصادر, أنه لم يستقسم عنده أحد بعد امرئ القيس، ولكن جاء في حديث جرير بن عبد الله البجلي أنه لما قدم اليمن كان بذي الخلصة رجل يستقسم بالأزلام، وحديث الباب يدل على أنهم استمروا على ذلك حتى نهاهم الإسلام "فتح الباري: غزوة ذي الخلصة" وبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جرير بن عبد الله البجلي لهدم ذي الخلصة، فما أطال الغيبة حتى رجع، فقال رسول الله: "هدمته؟ " قال: نعم والذي بعثك بالحق، وأخذت ما عليه وأحرقته بالنار, فتركته كيما يسوء من يهوى هواه, وما صدنا عنه أحد١.

ثم لما تعاقبت العصور، وأصاب الناس موجة من الاضطراب، وساد الفقر في بعض الجهات، شعرت بعض النفوس بحاجتها إلى ملجأ تفزع إليه, فانقلبت -بدافع من الجهل- إلى التمسك بالبدع والخرافات، وعادات إلى التمسح بالأحجار والأشجار، ورجعت دوس ومن جاراها من القبائل إلى ذي الخلصة تتمسح به وتهدي له وتنحر عنده. إلا أن موجة من الإصلاح كانت قد ارتفعت تناهض هذه الضلالات والخزعبلات، فهدمت ذو الخلصة زمن عبد العزيز بن محمد بن سعود، كما يروي ابن بشر في كتابه عن تاريخ نجد٢، ويبدو أن هذا الهدم لم يكن شاملا؛ إذ ظلت بعض جدرانه شاخصة حتى سنة ١٣٤٤هـ, حيث حطمت الحملة التي بعثها عبد العزيز آل سعود بقايا ذلك الوثن، ورمت بأنقاضه إلى الوادي, فعفى بعد ذلك رسمه وانقطع أثره، كما أحرقت الحملة كذلك شجرة العبلاء التي كانت تصاقب ذا الخلصة.

وقد كان بنيان ذي الخلصة ضخما، بحيث كان لا يقوى على زحزحة الحجر الواحد منه أقل من أربعين شخصا٣.

٢- وثانيهما: الصنم الذي كان بأسفل مكة، في الرواية التي ذكرها الأزرقي ونقلها عنه المؤرخون، وكان يسمى "الخلصة", وكانوا يلبسونه القلائد،


١ الطبقات الكبير جـ١ ق٣ ص٧٧، ٨٧, وراجع هدمه في البخاري جـ٥ ص٢٠٨.
٢ عنوان المجد جـ١ ص١٨٠.
٣ أخبار مكة ١/ ٢٦٣.

<<  <   >  >>