للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مأثورات من النثر الحجازي ١:

١- من حديث أم معبد, الذي حدث به حبيش بن خالد -رضي الله عنه- صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة هو وأبو بكر، ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة -رضي الله عنهما- ودليلهما الليثي عبد الله بن الأريقط، مروا على خيمة أم معبد الخزاعية، وكانت امرأة برزة٢ جلدة, تختبئ بفناء قبتها ثم تسقي وتطعم, فسألوها تمرا ولحما ليشتروا منها، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك، وكان القوم مرملين مسنتين٣, فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى شاة في كسر الخيمة فقال: "ما هذه الشاة يا أم معبد؟ " قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم. قال: "هل لها من لبن؟ " قالت: هي أجهد من ذلك. قال: "أتأذنين لي أن أحلبها؟ "، قالت: نعم بأبي أنت وأمي, إن رأيت بها حلبا فاحلبها. فدعا بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومسح بيده ضرعها وسمى الله تعالى ودعا لها في شاتها، فتفاجت٤ عليه ودرّت واجترت، ودعا بإناء يربض الرهط٥, فحلب فيه ثجا٦ حتى علاه البهاء ثم سقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا وشرب آخرهم ثم أراضوا، ثم حلب فيه ثانيا بعد بدء حتى امتلأ الإناء ثم غادره


١ نعد هذا نثرا جاهليا؛ لأنه قبل تمام الهجرة، وصاحبة هذا النثر لم تكن أسلمت أو تأثرت بالقرآن الكريم.
٢ برزة هي من النساء الجليلة التي تظهر للناس، ويجلس إليها القوم، وأيضا هي الموثوق برأيها وعفافها.
٣ مرملين أي: نفد زادهم, وأصله من الرمل، كأنهم لصقوا به، كما قيل للفقير الترب. ومسنتين أي: مجدبين أصابتهم السنة, وهي القحط.
٤ فتفاجت, التفاج: المبالغة في تفريج ما بين الرجلين، وضمير عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
٥ يربض الرهط, أي: إنه يرويهم حتى يثقلهم، فيربضوا: فيناموا لكثرة اللبن الذي شربوه، ويمتدوا على الأرض، من ربض بالمكان يربض: إذا لصق به وقام ملازما له.
٦- ثجا أي: لبنا سائلا كثيرا. والبهاء يريد به بهاء اللبن وهو وبيص رغوته، وبهاء اللبن ممدود غير مهموز لأنه من البهى.

<<  <   >  >>