للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عندها وبايعها وارتحلوا عنها. فقلما لبثت١ حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا تساوك هزالا مخاخهن قليل٢, فلما رأى أبو معبد اللبن عجب، وقال: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد, والشاء عازب حيال٣، ولا حلوب في البيت؟ قالت: لا والله, إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا. قال: صفيه لي يا أم معبد. قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة٤, أبلج الوجه, حسن الخلق, لم تعبه ثجلة٥ ولم تزر به صعلة٦, وسيما قسيما, في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي عنقه سطع، وفي صوته صحل، وفي لحيته كثاثة. أزج أقرن٧, إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، فهو أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنهم وأجملهم من قريب، حلو المنطق، فصل لا نزر ولا هذر٨, كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة, لا يأس من طول٩ ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا


١ لبثت, أي: مكثت.
٢ عجافا: جمع عجفاء وهي المهزولة. وتساوك هزالا أي: تتمايل من الهزال والضعف في مشيها. وقوله: مخاخهن قليل جمع: مخ, مثل: حباب وحب وكمام وكم، وإنما لم يقل: قليلة؛ لأنه أراد أن مخاخهن شيء قليل. قال الشاعر:
إلى الله أشكو ما أرى بجيادنا ... تساوك هزلى مخهن قليل
٣ عازب أي: بعيدة المرعى, لا تأوي إلى المنزل إلا في الليل. والحيال جمع: حائل, وهي التي لم تحمل.
٤ الوضاءة: الحسن والبهجة.
٥ الخلق: السجية، والثجلة: عظم البطن وسعته.
٦ الصعلة: صغر الرأس, ولم تزر به أي: لم تعبه.
٧ الدعج والدعجة: السواد في العين وغيرها، تريد: أن سواد عينيه كان شديدا. والوطف: طول في هدب أشفار العينين. والسطع: طول العنق. والصحل كالبحة وألا يكون حادا. والزجج: دقة في الحاجبين وطول. وأقرن أي: مقرونهما.
٨ فصل, لا نزر ولا هزر أي: ليس بقليل ولا بكثير فاسد.
٩ لا يأس من طول أي: إنه لا يؤيس من طوله؛ لأنه كان إلى الطول أقرب منه إلى القصر.

<<  <   >  >>