٣- ومن أمثلة المحاورات، ما يروى من أنه اجتمع عامر بن الظرب العدواني وحممة بن رافع الدوسي١ عند ملك من ملوك حمير، فقال: تساءلا حتى أسمع ما تقولان.
فقال عامر بن الظرب لحممة بن رافع: أين يجب أن تكون أياديك؟ قال: عند ذي الرئية العديم، وذي الخلة الكريم، والمعسر الغريم، والمستضعف الهضيم, قال: من أحق الناس بالمقت؟ قال: الفقير المختال، والضعيف الصوال، والعيي القوال، قال: فمن أحق بالمنع؟ قال: الحريص الكائد، والمستميح الحاسد، والملحف الواجد، قال: فمن أجدر الناس بالصنيعة؟ قال: من إذا أعطي شكر، وإذا منع عذر، وإذا مُوطِل صبر، وإذا قدم العهد ذكر. قال: من أكرم الناس عشرة؟ قال: من إن قرب منح، وإن بعد مدح، وإن ظلم صفح، وإن ضُويق سمح، قال: من ألأم الناس؟ قال: من إذا سأل خضع، وإذا سئل منع، وإذا ملك كنع، ظاهره جشع، وباطنه طمع، قال: فمن أحلم الناس؟ قال: من عفا إذا قدر، وأجمل إذا انتصر، ولم تطغه عزة الظفر، قال: فمن أحزم الناس؟ قال: من أخذ رقاب الأمور بيديه، وجعل العواقب نصب عينيه، ونبذ التهيب, وبرئ من ذنبه، قال: فمن أحذق الناس؟ قال: من ركب الخطار، واعتسف العثار، وأسرع في البدار قبل الاقتدار، قال: فمن أجود الناس؟ قال: من بذل المجهود، ولم يأس على المعهود، قال: فمن أبلغ الناس؟ قال: من جلّى المعنى المزيز باللفظ الوجيز، وطبق المفصل قبل التحزيز، قال: فمن أنعم الناس عيشا؟ قال: من تحلى بالعفاف، ورضي بالكفاف، وتجاوز ما يخاف، قال: فمن أشقى الناس؟ قال: من حسد على النعم وتسخط على القسم، واستشعر الندم على فوت ما لم يحتم، قال: من أغنى الناس؟ قال: من استشعر الناس، وأبدى التجمل للناس، واستكثر قليل النعم، ولم يسخط على القسم, قال: فمن أحكم الناس؟ قال:
١ عامر بن الظرب وحممة بن رافع: حكيمان من حكماء العرب في الجاهلية الذين تفرغوا لصناعة الكلام والمساجلة بالبيان وقوة البديهة والقدرة على ارتجال الحكم والغوص على درر المعاني ولألئها، واصطياد شوارد الأفكار وأوابدها.