للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففي التثنية "٢٨/ ٢٧": "وتكون دهشا ومثلا وهزأة في جميع الشعوب"، وفي القرآن: {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ} [الزخرف: ٨] وقوله: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ} [الزخرف: ٥٦] وورد عدد من الأحاديث النبوية في هذا المعنى, أما في الأناجيل فلم يعثر الباحثون على هذا الاستعمال١.

الحكمة والمثل, ومدلولهما الاصطلاحي:

الحكمة:

الحكمة: قول بليغ موجز صائب، يصدر عن عقل وتجربة وخبرة بالحياة, ويتضمن حكما مسلما، تقبله العقول وتأنس به الأفئدة، وتنقاد له النفوس والمشاعر٢.

وكان للعرب في الجاهلية حكماء شهروا بأصالة الرأي، وبعد الغور، ودقة التفكير، والنظر الصائب، والفهم الصحيح للحياة وأحداثها وتجاربها, وتنطلق ألسنتهم بالحكمة البليغة الرائعة، كلما حدث حادث، أو نزل خطب، أو أخذ رأيهم في مسألة.

وكان العرب يلتجئون إلى هؤلاء الحكماء في الخصومات والمفاخرات


١ الأمثال: لعابدين ٢-٧.
٢ والحكمة في اللغة: المنع، وحكمه: منعه مما يريد, ومنه حكمة الدابة -وهو ما أحاط بحنكها من اللجام- لأنها تذللها لراكبها وتمنعها الجماح، ومنه اشتقت الحكمة؛ لأنها تمنع صاحبها من الآثام والرذائل. راجع أساس البلاغة للزمخشري "مادة حكمة" ١/ ١٩٠، ومن الممكن أن ترد مادة "ح ك م" في اللغات السامية إلى معنى المنع والفصل. ومن: فصل الشيء ومنعه، يشتق معنى التوضيح والتمييز، وما ورد في القرآن الكريم يرجع إلى معنى القول الفصل، أي: الكلام الواضح البين المتميز، قال تعالى في موضع من حوالي ثلاثين موضعا ورد فيه لفظ الحكم: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} ويفسر الحكم اقترانه بالقصص والفصل وهو الإبانة والتمييز، والعرب تطلق الحكم والحكمة بمعنًى، وفي الحديث: "إن من الشعر لحكما" والحكم هنا هو الحكمة، أي: العلم والتفقه, أو بعبارة أدق: القول الفصل.

<<  <   >  >>