للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومهما يكن من شيء فمما لا شك فيه أن الحجازيين في العصر الجاهلي قد كانت لهم أمثال مثل ما كان لليمنيين والغساسنة، والنجديين والمناذرة. ولكن يلاحظ أن أمثال الحجازيين واليمنيين والغساسنة أقل من أمثال النجديين والمناذرة, فما السر في هذا؟ وهل يمكن أن نتصور شعبا كشعب الحجاز -قد أعد لكي يؤثر في الحياة الإنسانية عامة, وكانت ميزته الكبرى التفوق في الفصاحة والبلاغة ولزعمائه الفصل في الخصومات بين العرب- لم يكن له حظ وافر من هذا التراث الضخم من الأمثال؟

إننا نعتقد أن بيئة الحجاز قد كانت عامرة بالأمثال، بيد أن الزمن قد عفى على كثير منها؛ لأنها لم تظفر من العناية والتسجيل والتدوين بما ظفرت به أمثال المناذرة والبقاع التي كانت تقع تحت نفوذهم, ولم تجد من السلطان القائم في تلك الأزمنة من يرعاها ويحميها ويحفظها من الضياع. هذا إلى أن تيارات الدعوات الكتابية كانت تهاجمها وتسعى جاهدة لمحوها باعتبارها مظهرا من مظاهر الأمجاد الوثنية القومية، وخاصة إذا علمنا أن المسيحية كانت تجد لها ظهيرا قويا من الروم والغساسنة. ومهما يكن من شيء، فثم تراث ضخم من الأمثال العربية انبت عن أصله، ولم تعين بيئته، حجازية أم نجدية أم غيرهما، بأية وسيلة من الوسائل الكاشفة المميزة كاللهجة أو الحادثة أو القائل ... وللحجازيين في هذا التراث العام -كما نرجح- نصيب كبير.

ويجدر بنا أن نشير هنا إلى عدد من حكماء الحجاز في الجاهلية، وقد ذكرنا جملة منهم في فصل سابق, ومن هؤلاء: أمية بن عوف الكناني وكان من أتباع الحنيفية، يدعو إلى ترك الآلهة والتمسك بإله واحد، وكان يعظ العرب في فناء البيت، ومرعا بن الظرب العدواني، وهو حكيم قيس، وكان متصلا بملوك غسان، وهاشم بن عبد مناف، وعبد المطلب، وأبو طالب من حكماء قريش. وكان بعض الحكماء يورثون أبناءهم الحكمة، كما صنع حكماء الشرق القديم, حين كانوا يلقنون أولادهم تعاليم الحكمة, فورثت ابنة عامر بن الظرب الحكمة من أبيها, وكانت ذرية هاشم بن عبد مناف حكماء قريش في الجاهلية، ونعني هشاما وعبد المطلب وأبا طالب, أما في الإسلام فقد اشتهر بها علي بن أبي طالب، وعمرو بن العاص كما عرف بها أبوه العاص بن وائل في الجاهلية.

<<  <   >  >>