للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويعلق بعض الباحثين على هذه القصة بقوله: فإذا فرضنا أن هذه القصة قد اشتهرت بين الحجازيين حتى أصبح أبو غبشان فيها مضرب المثل, فليس من المحقق أن يكون هذا التركيب بهذه الصيغة كان مثلا شائعا بينهم, وفرق بين القصة والمثل، وبين معنى المثل وصيغته. بل نرجح أن الرواة المتأخرين قد "ترجموا" عن الشهرة بعبارة من صنع أنفسهم، فترجمها بعضهم: "أندم من أبي غبشان" وترجمها بعضهم: "أحمق من أبي غبشان" وترجمها غير هؤلاء وأولئك: "أخسر صفقة من أبي غبشان". فاختلاف التعبير عن القصة قد يحمل الدليل على أن المثل مفتعل، وإن كان مستفادا من قصة مشهورة، فهو متأخر عنها وضعه الواضعون بعد أن اشتهرت القصة, وهذا ما يجعلنا نرجح أن صيغة المثل إسلامية١.

ونحن مع تقديرنا لهذا الرأي نرى أن المثل جاهلي صميم؛ إذ من غير المعقول أن تظل هذه الحادثة الخطيرة طيلة هذه الفترة الطويلة دون أن يتناولها الحجازيون، ويضربوا بصاحبها المثل. ومن المؤكد عندنا أن صيغة واحدة من صيغ هذا المثل كانت أسبق إلى الظهور, وأن هذه الحادثة لما لها من الخطر وعمق التأثير في حياتهم الاجتماعية والدينية، قد اشتقت منها الأقوال والأمثال بصيغ مختلفة، واختلط الأمر بعد ذلك على الرواة, فرووا هذه الصيغ جميعها، ولم يحفظوا أقدم الروايات ويفردوها بالنص, فالمثل -في رأينا- جاهلي صحيح، وليس إسلاميا مفتعلا.

وبهذه المناسبة نذكر أن الأستاذ أحمد السباعي في كتابه "تاريخ مكة" قد سجل جملة من الحكم والأمثال عزاها إلى قريش في العصر الجاهلي. والواقع أن بعض ما أرده إسلامي القائل والقصة، كالمثل: "عند الصباح يحمد القوم السرى"٢, فقد تفوه به خالد بن الوليد حين نجا هو وجيشه من الهلاك عطشا، بعد أن سلك المفازة بين اليمامة والعراق٣ بناء على أمر الخليفة أبي بكر -رضي الله عنه- له بأن يتجه إلى العراق.


١ الأمثال لعابدين ص٩٣, ٩٤.
٢ الميداني ١/ ٤٦٤.
٣ وفي الكامل لابن الأثير: بين الشام والعراق.

<<  <   >  >>