للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

علي بن أبي طالب، وهو أسبق في التاريخ من ابن المقفع مترجم كليلة ودمنة، فمن الممكن أن نفترض أن المثل عرفه الآراميون الذين سكنوا في الحجاز أو اليمن, من طريق الترجمة السريانية لكتاب كليلة ودمنة -وقد ترجم حوالي ٥٧٠م- أو نفترض أن المثل عرفه الكتابيون في هذه المنطقة من طريق خرافات إيسوب التي كانت قد عرفها اليهود من قبل, وتدارسوها في مجالسهم ومدارسهم.

وقصة استسقاء وفد عاد بمكة ومعهم لقمان معروفة مشهورة، وسنذكرها في موضع آخر إن شاء الله، ونحب أن نشير هنا إلى أن عناصر هذه القصة وثنية قديمة، لكنها امتزجت بعناصر كتابية فيما بعد في الفترة القريبة من الإسلام.

"ولم يلبث أن أصبح لقمان مشتهرا بالحكمة الكتابية قبيل الإسلام، بعد أن كان صانع أمثال شعبية، تكاد تكون خالية من النغمة الكتابية الظاهرة وقوامها الألغاز، ويكثر فيها المجاز والإيماء والإشارة ومعاريض الكلام. ولم يكد يظهر الإسلام في شبه الجزيرة حتى كان عرب اليمن الذين سكنوا في الحجاز أو اتصلوا بالجانب الغربي من شبه الجزيرة قد مهدوا لظهور لقمان الجديد، لقمان القرآني، فرأينا كعب الأحبار وأصله من يهود المدينة ثم أسلم, قد أذاع عددا من أخبار لقمان, ورأينا سويد بن الصامت يقدم إلى مكة، ويعرض على الرسول مجلة لقمان. ونكاد نرجح أن هذه المجلة كانت تتضمن شيئا عن لقمان في صورته الكتابية. يدلنا على ذلك أن سويدا كان ممن قرءوا الكتب في الجاهلية، وأنه كان من أهل المدينة، وأن لفظ مجلة١ عبري أو آرامي الأصل"٢.

الفرق بين المثل اليمني, والمثل الحجازي:

وقد اختلطت الأمثال اليمنية بالأمثال الحجازية، فقد لبست جميعها ثوبا من العربية الفصحى وأصبح من العسير على الباحث التمييز بينها.

بيد أنه يلاحظ أن بعض الصيغ قد ترد في الملل, فتشير إلى أصله اليمني.


١ يرى السهيلي في الروض الأنف ١/ ٢٦٦ أن لفظ مجلة مشتق من الجلالة أو الجلال.
٢ راجع جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري ١/ ٢٨٢, وتاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي ١/ ٢٤٢، والأمثال في النثر العربي القديم ص٥٠, ٥١.

<<  <   >  >>