للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صاحب هذا اللقيط, تعريضا بالرجل، وقال اللغويون في معناه: "لعل الغوير يصير أبؤسا" وقالوا: عسى بمعنى كان. وتركيب المثل غريب؛ لأن هذا الاستعمال لم يرد في القرآن الكريم، وإنما وردت كلمة "عسى" مقرونة بأن والفعل, فلعلها لهجة حجازية سبقت طور العربية الفصحى.

ويرى بعض الباحثين أن عسى تقابل في الاستعمال الكلمة العبرية asah أي: "صنع" ويكون معنى المثل: "صنع الغوير أبؤسا، أي: شدائد ونكبات"١ والمثل -وإن تمثل به عمر- فهو قديم كما قال أبو هلال. أما رواية الميداني القائلة بأن أصل المثل من قول الزباء، فليست صحيحة؛ لأنها لا تنطبق على ما ورد في أقدم نص لقصة الزباء في كتاب الضبي٢.

طائفة من الأمثال الحجازية: أفتك من البراض

هو البراض بن قيس الكناني. ومن خبر فتكه: أنه كان وهو في حيه عيارا فاتكا يجني الجنايات على أهله، فخلعه قومه، وتبرءوا من صنيعه، ففارقهم وقدم مكة، فحالف حرب بن أمية ثم نبا به المقام بمكة أيضا ففارق أرض الحجاز إلى أرض العراق، وقدم على النعمان بن المنذر الملك فأقام ببابه. وكان النعمان يبعث إلى عكاظ بلطيمة كل عام تباع له هناك, فقال وعنده البراض والرحال -وهو عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب, وسمي رحالا لأنه كان وفادا على الملوك: من يجيز لي لطيمتي هذه حتى يقدمها عكاظ؟ فقال البراض: أبيت اللعن أنا أجيزها على كنانة, فقال النعمان: ما أريد إلا رجلا يجيزها على الحيين قيس وكنانة. فقال عروة الرحال: أبيت اللعن، أهذا العيار الخليع يكمل لأن يجيز لطيمة الملك، أنا المجيزها على أهل الشيح والقيصوم من نجد وتهامة. فقال: خذها، فرحل عروة بها، وتبع البراض أثره، حتى إذا صار عروة بين ظهراني


١ الأمثال في النثر العربي القديم ص٦٧.
٢ أمثال العرب ٦٤-٦٨.

<<  <   >  >>