القوة العظيمة التي يعترف بها هو في صدر الإسلام، وإلا فكيف تكون شيئا مذكورا من شيء لا غناء فيه؟!
٤- ولقد اتفق علماء الأدب الأقدمون على قوة الخطابة الجاهلية وازدهارها. وهذا هو الجاحظ يصف الخطباء الجاهليين وحركاتهم ومواقفهم وأزياءهم ومزاياهم، ويروي في ذلك الكثير من الأشعار التي يستشهد بها, فكيف يشيد الجاحظ وأمثاله بشيء لا غناء فيه؟!
كل ذلك يدلنا على أن الخطابة بلغت من الرقي مبلغا عظيما قبل الإسلام، وخاصة في الحجاز.
خصائص الخطابة الحجازية:
تمتاز الخطابة الحجازية بأن ألفاظها كانت تأتي كثيرا سهلة جميلة واضحة, كما ترى في خطب أبي طالب وما شابهها.
ولم يكن الجاهليون يتأنقون في اختيار اللفظ ذي النغمة المتشابهة أو الجرس المتآلف، وكانوا لا يقصدون إلى المحسنات البديعية أو يتعمدونها، ويقل الترادف في نثرهم؛ إذ كانوا يؤثرون الإيجاز في كلامهم.
وتمتاز هذه الخطب أيضا بوضوح المعاني وقربها وصدقها، كما رأينا؛ لأنها تمثل حياتهم البسيطة الواضحة التي لا تعقيد فيها ولا التواء، فهم لا يبالغون ولا يهولون، وإنما يعبرون عما يشعرون به في بساطة ودون تكلف، فمتى فهم اللفظ اتضح معناه دون معاناة في فهمه.
ويغلب على الخطب الحجازية السجع كما في خطب هاشم وعبد المطلب, وأحيانا تجيء مرسلة أو مترددة بين الإرسال والازدواج أو السجع كما ترى في خطبة أبي طالب:"الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل ... إلخ".
ويشيع في النثر الحجازي بألوانه قصر الجمل، والإيجاز، وإيثار الكتابة الغريبة على التصريح، وتكثر فيه الحكم والأمثال كما رأينا في معظمها، وقد تأتي الخطبة كلها حكما وأمثالا.