لكرامة زوار بيت الله وتقويتهم إلا طيبا لم يؤخذ ظلما، ولم يقطع فيه رحم، ولم يؤخذ غصبا.
فكانوا يجتهدون في ذلك، ويخرجون من أموالهم، فيضعونه في دار الندوة.
٣- عبد المطلب بن هاشم القرشي:
جد الرسول، ومن حكام قريش وأشرافها وسادتها، وكان يسمى "شيبة الحمد" لكثرة حمد الناس له؛ إذ كان مفزع قريش في الخطوب، وملاذها في النائبات، وملجأها في المعضلات، وكان كذلك يدعى "الفياض" لجوده.
وكان من حلماء قريش وحكمائهم وفصحائهم وخطبائهم، حرم على نفسه الخمر في الجاهلية، وكان يتلألأ النور في وجهه، وتلوح سمات الخير والمجد والسيادة في أساريره، وكان يأمر ولده بترك البغي والظلم، ويحثهم على مكارم الأخلاق، وينهاهم عن سفاسف الأمور، وكان يقول في وصاياه: من يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم منه وتصيبه عقوبة، وكان يقول: والله إن وراء هذه الدار دارا يجزى فيها المحسن بإحسانه، ويعاقب فيها المسيء بإساءته.
وكان مجاب الدعاء، وهو أول من تعبَّد بحراء، وكان يعبد الله على الحنيفية، دين إبراهيم وإسماعيل، وكانت قريش تستسقي به عندما يصيب الناس قحط، وكان إذا رأى هلال رمضان صعد إلى حراء يُطعِم المساكين.
وقد ورث عبد المطلب السقاية والرفادة والرياسة عن أبيه، وعقد المعاهدات مع ملوك الشام وأقيال حمير باليمن وصارت رحلته إليهما، وهو الذي حفر بئر زمزم، ووضع الحجر في الركن.
وكان مهيب الجانب، مرهوب الكلمة، سيدا عظيم القدر، مطاع الأمر، نجيب النسل، مر به أعرابي وهو جالس في الحجر، وأبناؤه حوله كالأسد، فقال: إذا أحب الله إنشاء دولة خلق لها أمثال هؤلاء، فأنشأ الله تعالى لهم بالنبوة دولة عرضها المشرق والمغرب.
وقد رفض عبد المطلب عبادة الأصنام، ووحَّد الله، وأوصى بالوفاء بالنذر