للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما حضرت أبا طالب الوفاة جمع إليه وجوه قريش وأوصاهم باتباع محمد، وستأتي هذه الوصية فيما بعد، وله خطبة مأثورة رُويت له عند خطبته خديجة لابن أخيه محمد بن عبد الله.

خطباء مشهورون:

ومن خطباء العرب عامة ومشهوريهم: قس، وأكثم, وكان قس يقيم في الحجاز وكان أكثم يتردد كثيرا عليه.

١- أما قس بن ساعدة الإيادي:

فقد كان من حكماء العرب, وأعقل من سمع به منهم، وأول من كتب: من فلان إلى فلان، وأول من أقر بالبعث عن غير علم، وأول من قال: أما بعد، وأول من قال: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، وقد عمر ثمانين ومائة سنة١، ولما قدم وفد إياد على النبي -صلى الله عليه وسلم- وفرغ من حوائجهم قال: "هل فيكم من يعرف قس بن ساعدة"؟ قالوا: كلنا نعرفه، قال: "فما فعل"؟ قالوا: هلك, فقال: "كأني به على جمل أحمر قائما يقول:

أيها الناس، اجتمعوا واستمعوا وعوا، كان من عاش مات، وكل من مات فات، وكل ما هو آت آت. إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا. مهاد موضوع، وسقف مرفوع، وبحار تموج، وتجارة تروج، وليل داجٍ، وسماء ذات أبراج، أقسم قس حقا: لئن كان في الأرض رضا، ليكونن بعد سخط، وإن لله -عزت قدرته- دينا، هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه، ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون أرضوا فأقاموا، أم تركوا فناموا؟! ".

ثم ساق أبو بكر -رضي الله عنه- شعره في هذه الخطبة، وهو مشهور،


١ وقال المرزباني: زعم كثير من العلماء أنه عمر ستمائة, وكان حكيما عاقلا حليما، له نباهة وفضل, وقد ضرب به المثل في الحلم والخطابة, قال الحطيئة:
وأقول من قس وأمضى إذا مضى ... من الرمح إذ مس النفوس نكالها
وراجع الكلام على قس وبلاغته في "بلوغ الأرب" ص١٥٥/ ٣, و٢٢٤/ ٢.

<<  <   >  >>