للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد رويت هذه الخطبة بروايات أخرى في صبح الأعشى، والبيان والتبيين، والأغاني, وغيرها، وفي بعض هذه الروايات: أن الرسول سأل: "من يحفظها منكم؟ " فرواها بعضهم له.

٢- وأما أكثم بن صيفي التميمي:

فهو وإن كان ليس من القبائل الحجازية، لكنه تردد على الحجاز كما استفاضت الروايات بذلك، وطارت شهرته وصار يعد حكيم العرب عامة كما كان من أبلغ حكماء العرب، وأعرفها بأنسابها، وأكثرها ضرب أمثال، وإصابة رأي، وقوة حجة، وكان خطيبا مفوَّها، وحَكَما موفقا، رفيع المكانة في قومه، يعد من أشرافهم ومن كبار المحكمين فيهم، وقلّ من جاراه من خطباء عصره في معرفة الأنساب، وضرب الأمثال، والاهتداء لحل المشكلات, والسداد في الرأي, وهو زعيم الخطباء المصاقع١ الذين أوفدهم النعمان على كسرى وكلهم خطباء بلغاء، ولسن مقاول، ولقد بلغ من إعجاب كسرى به أنه قال له: لو لم يكن للعرب غيرك لكفى.

وقد عاش في الجاهلية, وعمر طويلا حتى أدرك مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- وجمع قومه وحثّهم على الإيمان به.

وكان قليل المجاز, حسن الإيجاز، حلو الألفاظ, دقيق المعاني، مولعا بالأمثال، لا يلتزم السجع، يميل إلى الإقناع بالبرهان، ويعتمد في خطابته على قوة تأثيره وشدة عارضته٢ لا على المبالغة والتهويل, فهو في وصاياه وخطبه وحكمه قوي الأسلوب, بليغ الأداء, عميق الفكرة, دقيق المعنى, مشرق الديباجة, محكم النسج.

ومن صور خطابته ما يروى عنه أنه قال من خطبته أمام كسرى:

إن أفضل الأشياء أعاليها, وأعلى الرجال ملوكهم, وأفضل الملوك أعمها نفعا،


١ المصاقع جمع: مصقع وهو البليغ أو العالي الصوت أو الذي لا يرتج عليه في كلامه ولا يتعتع.
٢ العارضة: البيان واللسن والجلد والصرامة والقدرة على الكلام.

<<  <   >  >>