لما تولى هاشم أمر مكة بعد أبيه، وساد قومه بما كان عليه من محاسن الأخلاق، وجليل الشيم، وكمال الشجاعة، وروعة الكلام، وغاية الفصاحة، وسوى ذلك من المآثر والمفاخر الجليلة، حسده ابن أخيه أمية بن عبد شمس بن عبد مناف؛ عجزا عن اللحاق به وعن مباراته في صنيعه وفي شيمه، ونشبت العداوة بين أمية وهاشم وأراد منافرته، فكره ذلك هاشم لنسبه وقدره، فلم تدعه في قريش حتى نافره إلى الكاهن الخزاعي في خمس نوق سود الحدق ينحرها ببطن مكة, والجلاء عن مكة عشر سنين، فخرج كل منهما في نفر، ونزلوا على الكاهن، فقال قبل أن يخبروه خبرهم: والقمر الباهر، والكوكب الزاهر، والغمام الماطر، وما بالجو من طائر، وما اهتدى بعلم مسافر، من منجد وغائر، لقد سبق هاشم أمية إلى المفاخر.
فنفر الخزاعي هاشما، وقال لأمية: تنافر رجلا هو أطول منك قامة، وأعظم منك هامة، وأحسن منك وسامة، وأقل منك لأمة، وأكثر منك ولدا، وأجزل منك صفدا؟!
فقال أمية: من انتكاث الزمان أن جعلناك حكما، فأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعمها من حضرها, وخرج أمية إلى الشام فأقام بها عشر سنين.
ومنافرة قريش وخزاعة إلى هاشم وخطبة هاشم في هذا١، وكذلك منافرة عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة العامريين، مشهورتان في كتب الأدب.
سجع الكهان:
وينبغي أن نشير إلى لون آخر من ألوان النثر الجاهلي، ونعني به ذلك السجع الذي كان الكهان يلتزمونه، ويحتشدون له، ويؤثرونه على كل أسلوب، ويتكلفون فيه؛ للتأثير على الناس، وللتعمية في الجواب.
والكهانة هي الإخبار عن الأمور المغيبة ماضية كانت أو مستقبلة, وكان