للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشعر، كما اختلفوا في بعض الأشياء, أما ما اتفقوا عليه، فليس لأحد أن يخرج منه. وقال في إجماعهم على الموضوع من الشعر: "وليس لأحد -إذا أجمع أهل العلم والرواية الصحيحة على إبطال شيء منه-أن يقبل من صحيفة, ولا يروي عن صحفي"١.

وهذا النص يكشف لنا عن مدى تقريرهم لإجماع الرواة في رواية الشعر، سواء منه الصحيح والمنحول، فما أجمعوا على صحته قبلناه، وما أجمعوا على وضعه رفضناه.

ومما اعتمدوا عليه كذلك في صحة الشعر، وجود القصيدة أو الأبيات في ديوان الشاعر أو ديوان القبيلة مما رواه العلماء الثقات، يقبلون منه ما يجيء في صورة اليقين والجزم، ويقفون أو يشكون فيما اختلف فيه، وربما قبلوا النظر فيه وأصدروا عليه أحكاما نقدية خاصة. وقد أورد أبو الفرج الأصبهاني قصيدة لدريد بن الكلبي، عدتها ثلاثة عشر بيتا، ومنها قوله:

أمن ذكر سلمى ماء عينيك يهمل ... كما انهل خرز من شعيب مشلشل

وماذا ترجي بالسلامة بعدما ... نأت حقب وابيض منك المرجل

وحالت عوادي الحرب بيني وبينها ... وحرب تعل الموت صرفا وتنهل

قراها إذا باتت لدي مفاضة ... وذو خصل نهد المراكل هيكل٢

وعلق أبو الفرج على هذه الأشعار والأخبار التي وردت فيها بقوله: وهذه الأخبار التي ذكرتها عن ابن الكلبي موضوعة كلها، والتوليد فيها بين وفي أشعارها. ويستدل على وضعها بقوله: وما رأيت شيئا منها في ديوان دريد بن الصمة على سائر الروايات٣.

وقد يحكمون ذوقهم الأدبي الذي صقلته التجربة وطول الدرس والمعاناة في تمييز الصحيح من الفاسد من الشعر، إلى جانب المقياسين السابقين، وهما:


١ طبقات فحول الشعراء، ص٦.
٢ شلشل الماء: قطر. المرجل: الشعر، يقال: رجل الشعر, إذا سرحه. المفاضة هنا: الدرع. وذو خصل, يريد فرسا. والمراكل: جمع مركل وهو حيث تصير رجلك من الدابة, وفرس نهد المراكل: واسع الجوف. والهيكل: الضخم.
٣ الأغاني ١: ٣٩, ٤٠, دار الكتب.

<<  <   >  >>