الفجار الرابع: وقعت هذه الحرب وكان بود قريش ألا تقع؛ لميلها إلى السلم الضروري لتجارتها، وكانت تجنح إلى السلم في كثير من أمورها وخاصة مع قبيلة هوازن, التي لها القوة والمنعة حول عكاظ، فإن قريشا ترهب جانبها وتجتنب ما يعكر الصفو بينها وبين هوازن؛ حرصا على سلامة الموسم وعلى تجارتها فيه.
وقد سميت بالفجار؛ لأنها وقعت في الأشهر الحرم وهي الشهور التي تعظمها العرب, وتحرم فيها القتل والقتال فيما بينها. فلما خرج المتحاربون فيها على شريعة العرب, كانوا فاجرين بذلك. وأيامها خمسة تفرقت على أربع سنين.
سنتها: من الصعب تعيين سنة هذه الحروب؛ لما ورد فيها من تضارب الروايات، فقد أجمعت المصادر على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حضرها بنفسه، ثم افترقت فرقتين:
فابن هشام ومن تابعه يجعلون سن الرسول لما حضرها أربع عشرة سنة، ومنهم صاحب العقد الفريد الذي يروي في ذلك حديثا, هذا نصه:"كنت أنبل على أعمامي يوم الفجار, وأنا ابن أربع عشرة سنة".
وابن إسحاق ومن تابعه -ومنهم صاحب القاموس والأصفهاني وابن سعد- جعل سنه حينئذ عشرين سنة.
وهناك غموض آخر اشترك فيه الفريقان معا، وهو أن أيام الفجار الآخر تفرقت على أربع سنين، ففي أيتهن كان عمره أربع عشرة؟ ونبله -صلى الله عليه وسلم- على أعمامه فسر بوجهين: أما صاحب العقد الفريد فقال: أنبل بمعنى: أناولهم النبل، وهو خلاف ما ذهب إليه ابن هشام في سيرته من أن معناه: أنه كان يرد عنهم نبل عدوهم.
إلا أن تعدي الفعل بـ "على" يرجح التفسير الأول؛ فقد جاء في القاموس: نبل عليه: لقط له النبل. وروى الحديث "في مادة فجر"، وكذلك رواه ابن سعد على هذه الصيغة:"كنت أنبل على عمومتي يوم الفجار، ورميت فيه بأسهم، وما أحب أني لم أكن فعلت".