للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حضر الأيام جميعها، وكانت سنه أول ما هاجت خمس عشرة سنة -على إحدى روايتي ابن هشام- أمكن التوفيق بين الروايات على وجه التقريب، فتكون الحرب قد وضعت أوزارها وقد أشرفت سنه على العشرين. فكان يلتقط السهام في أولها ويرمي بنفسه في آخرها، فعلى الرواية الأولى تكون الحرب قد وقعت قبل البعثة بخمسة وعشرين عاما، وتوافق سنة "٥٨٥" للميلاد المسيحي.

سبب الحرب:

من عادة النعمان بن المنذر -ملك الحيرة- أنه يرسل كل عام إلى سوق عكاظ لطيمة "وهي الجمال تحمل المسك والطيب"، بحماية رجل شريف من أشراف العرب، يحميها له حتى تصل إلى السوق فتباع فيها, ويشترى له بثمنها أدم من أدم الطائف.

ولا يقوم عادة بعبء حمايتها إلا رجل منيع، لقومه عدد وعزة، وكان الذي يجيرها في الغالب سيد مضر١.

فلما جهز النعمان اللطيمة لهذا العام "٥٨٥م"، قال: "من يجيرها؟ " وكان بحضرته أناس من أشراف القبائل، فانبرى له البراض بن قيس الضمري، وكان فتاكا يضرب بفتكه المثل، فقال، "أنا أجيرها على بني كنانة"، فقال النعمان: "ما أريد إلا رجلا يجيرها على أهل نجد وتهامة" فقام عروة الرجال -أحد أشراف هوازن وكبرائهم- فقال:

"أكلب خليع يجيرها لك؟ أبيت اللعن، أنا أجيرها لك على أهل الشيح والقيصوم" يريد عامة العرب, فحقدها عليه البراض، وقال: "أعلى بني كنانة تجيرها يا عروة؟ " قال: "نعم، وعلى الناس كلهم". فحمي البراض؛ إذ عدها استهانة به واستخفافا بقومه, وأضمرها في نفسه غدرة شنعاء.


١ الأغاني ١٩/ ٧٥.

<<  <   >  >>