ودفع النعمان اللطيمة إلى عروة فخرج بها, فتبعه البراض وعروة يرى مكانه ولا يخشى منه شيئا؛ لأنه منيع بين قومه من غطفان، حتى إذا بلغوا "فدك" نزل عروة في أرض يقال لها "أوارة", فشرب الخمر وغنته قينة ثم قام فنام.
اغتنم الفرصة البراض، وانسلَّ إليه في خبائه، فلما رآه عروة ناشده واعتذر إليه، وقال:"كانت مني زلة"، فلم يفد الاعتذار شيئا ولم يخفف مما يضطرم في صدر البراض من الحقد، فانقضَّ على عروة فقتله، وخرج يرتجز، ويقول:
قد كانت الفعلة مني ضلة
هلا على غيري جعلت الزلة
فسوف أعلو بالحسام القلة
ثم أنشد:
وداهية يهال الناس منها ... شددت لها بني بكر ضلوعي
هدمت بها بيوت بني كلاب ... وأرضعت الموالي بالضروع
جمعت له يدي بنصل سيف ... فخر يميد كالجذع الصريع
واستاق اللطيمة إلى خيبر، وبعث رسولا مستعجلا إلى حرب بن أمية، يخبره أنه قتل عروة فليحذر قيسا، فتبعه رجلان من غطفان يريدان قتله، فكان هو أول من لقيهما، فعرف ما قصدا إليه فنوى التعجيل بهما، فقال لهما:"ممن الرجلان؟ " قالا: "من غطفان وغني بهذه البلدة" قالا: "ومن أنت؟ " قال: "من أهل خيبر"، قالا:"ألك علم بالبراض؟ "، قال:"دخل طريدا خليعا فلم يؤوه أحد بخيبر ولا أدخله بيتا". قالا:"فأين يكون؟ "، قال:"فهل لكما به طاقة إن دللتكما عليه؟ "، قالا:"نعم"، قال:"فانزلا"، فنزلا فعقلا راحلتيهما. قال البراض:"فأيكما أجرأ عليه وأمضى مقدما وأحد سيفا؟ "، قال الغطفاني:"أنا", قال:"فانطلق أدلك عليه ويحفظ صاحبك راحلتيكما"، ففعل.
وانطلق البراض يمشي بين يدي الغطفاني حتى انتهى إلى خربة في جانب خيبر، خارجة عن البيوت، فقال البراض: "هو في هذه الخربة وإليها يأوي