للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال عبد الله: "أبا الغدر, تأمرني يا حرب؟ فوالله لو أعلم أنه لا يبقى فيها سيف إلا ضربت به ولا رمح إلا طعنت به ما أمسكت منها شيئا. ولكن لكم مائة درع ومائة رمح ومائة سيف تستعينون بها"، ثم صاح ابن جدعان في الناس: "من كان له قبلي سلاح, فليأت وليأخذه" فأخذ الناس أسلحتهم.

وبعث ابن جدعان وحرب بن أمية وهشام والوليد ابنا المغيرة إلى أبي براء سيد قريش: "إنه قد كان بعد خروجنا حرب, وقد خفنا تفاقم الأمر, فلا تنكروا خروجنا". وساروا راجعين إلى مكة "أغاني ١٩/ ٧٦"، فلما كان آخر النهار بلغ أبا البراء قتل البراض عروة فقال: "خدعني حرب وابن جدعان"، وركب فيمن حضر عكاظ من هوازن في إثر القوم فأدركوهم في نخلة قبيل الحرم، فناوشوهم شيئا من القتال يسيرا حتى جاء الليل، ودخلت قريش الحرم فأمسكت هوازن عنهم ونادوهم: يا معشر قريش! إنا نعاهد الله ألا نبطل دم عروة الرحال أبدا أو نقتل به عظيما منكم، وميعادنا وإياكم هذه الليالي من العام المقبل. ونادى رجل من بني عامر:

لقد وعدنا قريشا وهي كارهة ... بأن تجيء إلى ضرب رعابيل

فقال حرب بن أمية لأبي سفيان ابنه: قل لهم: "إن موعدكم قابل في هذا اليوم". وتعرف هذه الوقعة بيوم نخلة١, وقد تعطلت السوق فلم تقم تلك السنة. فقال خداش بن زهير يذكر قريشا بها ويعيرهم، وكانت العرب تسمي قريشا "سخينة"؛ لأكلها السخينة وهي طعام رقيق يتخذ من دقيق:

يا شدة ما شددنا غير كاذبة ... على سخينة لولا الليل والحرم

إذ يتقينا هشام بالوليد ولو ... أنا ثقفنا هشاما شالت الجذم


١ "يوم نخلة" هما نخلتان, والمقصود هنا نخلة اليمانية وهو الوادي الممتد من السيل الكبير إلى ما بعد الزيمة، وقرية الزيمة على جانبه. أما نخلة الشامية فتعرف باسم وادي المضيق ووادي الليمون, وتقع شمال نخلة اليمانية ويفصل بينهما سلسلة من الجبال, ثم يلتقيان أسفل قريتي الزيمة وسولة، فيكونان واديا واحدا يعرف في القديم باسم وادي مر، ومر الظهران، ويعرف حديثا باسم وادي فاطمة.

<<  <   >  >>