هذه الصورة الأولى من الشعر القبلي يغلب فيها عكوف الشاعر على قبيلته أو دولته الصغرى محتفيا بها، معجبا بمآثرها، لا يتحدى فيها شخصا ولا قبيلة، يمدحها به إيثارا لها على سائر القبائل. هو شعر قبلي داخل في سبيل كيان القبيلة وعزتها، أو هو شعر متصل بالنظام الأساسي للعشيرة وتدبير شئونها وسياستها١.
٤- وهناك صورة أخرى لهذا الشعر القبلي هي من حيث النزعة عكس سابقتها، فهي ثورة على القبيلة وتهوين شأنها, وهجاؤها؛ لأنها قصرت في الواجب عليها نحو الشاعر أو غيره، وكأنها بذلك نقضت هذا العهد الاجتماعي القاضي بحمايته والانتصار له، فكانت بذلك دون القبائل الأخرى، وتعرض كيانها للهوان، فكان على الشاعر أن يقومها ويلزمها القانون.
٥- ويلي ذلك نوع آخر من الثورة على النظام القبلي أو على النظام الاقتصادي والاجتماعي كله، ثورة الصعاليك, وهم جماعة فقراء من قبائل شتى، جمعت بينهم الخصاصة والحاجة وإعوازهم من مال هو عند غيرهم، فخرجوا على قبائلهم وتحللوا من نظمها، وأنكرهم قومهم، وأخذوا هم أنفسهم بالإغارة والنهب وسلب القبائل والأفراد ما لهم ثم توزيعها فيما بينهم، وكانوا رجالا أشداء عدائين، يسبقون الخيل، خبيرين بدروب الصحراء ومجاهلها، كراما، حديدي الإرادة، حسني الحيلة للخلاص إذا أسروا ... نذكر منهم ممن كان يعيش في منطقة الحجاز: الشنفرى وتأبط شرا، فهؤلاء وزملاؤهم مثلوا الخروج على النظام القبلي، وجعلوا وكدهم الحصول على المال ولو قتلوا أصحابه، لا يبالون في هذا قرابة. وقد طرحوا عن كواهلهم تقاليد العرب إلا ما ارتضوه لأنفسهم؛ يعطفون على الفقراء والمرضى والضعاف, ويبذلون ما عندهم