للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والصعلوك يأنس بالوحش كما تأنس به الوحش، فهذه الوعول الحمر تروح وتجيء حوله، بياض النهار, كأنها العذارى تجرر أذيالها، حتى إذا ما أقبل الأصيل ركدت حوله العصم من الوعول، وقد بدا في ذراعيها البياض، وهو بينها كالأدفى الذي طال قرنه جدا حتى ذهب قبل أذنيه، لا تنكره ولا ينكرها, كأنه واحد منها لطول ما خالطها وعاشرها. ولنستمع إلى الشنفرى وهو يصور ذلك، فيقول:

أقيموا بني أمي صدور مطيكم ... فإني إلى قوم وسواكم لأميل

فقد حمت الحاجات والليل مقمر ... وشدت لطيات مطايا وأرحل١

وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى ... وفيها لمن خاف القلى متعزل

لعمرك ما في الأرض ضيق على امرئ ... سرى راغبا أو راهبا وهو يعقل

ولي دونكم أهلون سيد عملس ... وأرقط زهلول وعرفاء جيئل٢

هم الأهل لا مستودع السر ذائع ... لديهم ولا الجاني بما جر يخذل

وكل أبي باسل غير أنني ... إذا عارضت أولى الطرائد أبسل

.......................... ... ..........................

إلى أن يقول:

ترود الأراوى الصحم حولي كأنها ... عذارى عليهن الملاء المذيل

ويركضن بالآصال حولي كأنني ... من العصم أدفى ينتحي الكيح أعقل٣


١ أقام صدر مطيته: جدّ في السير أو الأمر، والمعنى: استيقظوا وجدوا في أمركم, فإني راحل عنكم لغفلتكم وتراخيكم وإقراركم بالضيم. وحم الشيء: قدر وهيأ. والطية: النية والمنزل. يقول: تنبهوا من رقدتكم، فهذا وقت الحاجات، ولا عذر لكم, فإن الليل كالنهار في الضوء.
٢ القلى: البغض. والسيد: الذئب. والعملس بثلاث فتحات وشد اللام: القوي على السير السريع. والأرقط: النمر. والزهلول: الأملس. جيئل: اسم للضبع. والعرفاء: الكثيرة شعر الرقبة.
٣ ترود: تذهب وتجيء. الأراوى جمع: أروية، وهي أنثى الوعل الجبلي. الصحم: الحمر. المذيل: طويل الذيل. العصم من الوعل جمع: أعصم، وهو الذي في ذراعيه بياض. الأدفى: الذي طال قرنه جدا. ينتحي: يقصد. الكيح: عرض الجبل. الأعقل: الممتنع في الجبل العالي.

<<  <   >  >>