للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن يسأل القوم عني أهل معرفة ... فلا يخبرهم عن ثابت لاق١

سدد خلالك من مال نجمعه ... حتى تلاقى الذي كل امرئ لاق٢

لتقرعن علي السن من ندم ... إذا تذكرت يوما بعض أخلاقي

والصعلوك أنوف يسلب ولا يطلب، وهو يفضل أن يستف تراب الأرض على أن تكون لأي إنسان يد في عنقه. وهو يجوع، ولكنه يقتل الجوع بالصبر عليه.. وإنها لتجربة شعورية عجيبة أن يميت الإنسان الجوع بإطالة مدى الجوع!! ولولا أنفة الصعلوك لعاش في بحبوحة من العيش، ولكنها نفسه الحرة التي لا تقبل الضيم ولا ترضى المذلة.

ولنستمع إلى الشنفرى وهو يصور كل ذلك، فيقول:

أديم مطال الجوع حتى أميته ... وأضرب عنه الذكر صفحا فأذهل

وأستف ترب الأرض كيلا يرى له ... علي من الطول امرؤ متطول

ولولا اجتناب الذم لم يلف مشرب ... يعاش به إلا لدي ومأكل

ولكن نفسا حرة لا تقيم بي ... على الضم إلا ريثما أتحول

وقد كانت الصلات بين القبائل العربية قائمة على التنافس والتربص وانتهاز الفرص للظفر بمال أو شرف، وهذا هو ما نراه بين الدول في كل العصور ... فهو تنافس في السيادة والاستعمار وكسب الأسواق التجارية ومناطق المواد الأولية، وليس الصراع بين الدول الحديثة إلا صورة لما كان بين القبائل البدوية القديمة، فالأسباب واحدة وإن اختلفت الوسائل واتسعت الميادين.

هذا التنافس يرجع بين القبائل الجاهلية إلى عاملين رئيسين: مادي، وأدبي, فهو إما طمع في إبل أو مرعى أو بئر أو حمى أو فرس أو متاع ما، وإما رغبة


١ معنفة: عنف. زعيم: كفيل وضمين. ثابت: هو تأبط شرا.
٢ الخلال جمع: خلة، وهي الحاجة والفقر، يقول: سد بمالك فقرك حتى تلاقي الموت، والخلال: الخصال.

<<  <   >  >>