في رياسة أو أخذ بثأر أو اعتزاز بنفس أو مفاخرة بقوة أو غضب لجار أُهِين أو عهد نُقِض أو مجاراة لسفيه.
تلك الأسباب تركت الجزيرة العربية دائمة الغارات أو الحروب, لا تعدم في ناحية من نواحيها غارة مشنونة، أو صراعا بشعا يستمر أياما بل شهورا، وصارت حياة الناس رخيصة تذهب بسبب كلمة أو هفوة أو بلا سبب سوى السفاهة والعبث١. وأيام العرب الكبيرة كثيرة تجاوزت الألف بكثير سوى المغاورات الصغيرة.
ويجب أن نشير إلى أن أشعار الأيام وحوادثها قد دخلها التزيد والمبالغة؛ استجابة لدواعي العصبية وما تقتضيه طبيعة القصص من تهويل وتجميل، ومع ذلك فثمة قسط يمكن أن يوصف بالصحة استنادا إلى الطابع الفني الجاهلي، أو صحة روايته أو اتصاله بما يؤيده من أخبار وشواهد وثيقة.
وشعر الأيام فنون شتى تشمل الفخر والحماسة والمديح والرثاء ووصف المعارك الحربية والإشادة بشجاعة الشجعان وصبرهم وثباتهم, سواء كانوا من قوم الشاعر أو من أعدائهم وغير ذلك من المعاني، إلا أن هذه الألوان جميعها تخضع لهدف رئيسي واحد وهو مكانة القبيلة وقوتها ونفوذها وسلطانها بين القبائل الأخرى, فهو إذًا -مع بعض التجاوز- شعر السياسة الخارجية للقبيلة.
وقد ذكرنا في صدر هذا الفصل أطرافا من أيام الحجازيين في الجاهلية، مستشهدين بشيء مما قيل فيها من شعر في بعض الأحيان, وسنشير هنا إلى طائفة من الأشعار التي صبغتها الأيام بصبغة خاصة؛ ففي يوم بعثات قال قيس بن الخطيم قصيدته الحماسية التي مطلعها:
أتعرف رسما كاطراد المذاهب ... لعمرة وحشا غير موقف راكب
وفيها يفتخر قيس أنه من دعاة السلام, وأنه لا يبعث الحرب ظالما، ولكن إذا ما أبى الأعداء إلا الحرب أشعل نيرانها في كل جانب: