٧- ومن المعروف في التاريخ أنه نشأت بالشام دولة الغساسنة وبالحيرة دولة المناذرة, ونحن لا يعنينا من أمر هاتين الدولتين أو الإمارتين إلا ما كان من اتصال النابغة الشاعر الحجازي بهما, وما لابس ذلك من شعر سياسي.
فقد اتصل النابغة بملوك الحيرة ومدحهم وطالت صحبته للنعمان بن المنذر فقربه، واتخذه نديما له وصديقا حتى وشى به عند النعمان أحد بطانته فهمّ بقتله، ولكن عصاما حاجب النعمان أسرّ إلى النابغة بالأمر فهرب النابغة إلى الغساسنة المنافسين المناذرة، ومدح عمرو بن الحارث الأصغر وأخاه النعمان؛ ولذلك اشتد سخط النعمان بن المنذر على النابغة؛ فأخذ هذا يعتذر إليه حتى رضي عنه وأعاده إلى منزلته عنده.
ربما صحت الرواية القائلة بغضب النعمان بن المنذر على شاعره بسبب الوشايات, وربما كانت المسألة أن مر النابغة بالغساسنة فمدحهم -وكان ذلك بتدبير الغساسنة؛ لحسدهم المناذرة على هذا الشاعر العظيم- فغضب النعمان لذلك, واستغلها الوشاة عنده حسدا للنابغة فعاد هذا يعتذر، وسواء كان هذا أم ذلك، فالأمر لا يخلو من استغلال النابغة لما بين الإمارتين من تنافس، أو استغلال الإمارتين شعر النابغة, فأضفى ذلك عليه صفة السياسة وجعل له قيمة ممتازة في سبيل هاتين الدولتين, أو في سبيل ملوكهما على أقل تقدير.
ويظهر لنا أن هناك أمورا أخرى لابست هذه المسألة فعقدتها؛ كتفوق النابغة شاعر المناذرة على حسان شاعر الغساسنة، وكجودة الشعر الذي قاله النابغة في آل حسان،
١ أجد: استمر. غنيانها: استغناؤها. الربيع: الجدول الصغير. الأفن: نقص العقل. الذان: العيب. الأديان جمع: دين أي: الأمور التي تعرفها. راجع ديوان قيس صـ٧ وهو مخطوط.